الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الوجه الرابع : وهو أن تريد لا إقرارا بالزنا ولا قذفه ، فهو أن تقول : أردت أنه أصابني بعد أن تزوجني فإن كنت زانية فيه زنيت ، فهذا أخف أحوالها في حقها وحق الزوج ، فيكون قولها في الأمرين مقبولا ، فلا يجب عليها حد الزنا ولا حد القذف ، لأن الجواب قد يخرج في مقابلة اللفظ بمثله ويخالفه في حكمه كما قال تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها [ الشورى : 40 ] . والابتداء سيئة والجزاء ليس بسيئة ، وكما قال تعالى : ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين [ آل عمران : 54 ] . فالابتداء مكر والجزاء ليس بمكر ، ولأن خروج الجواب على هذا الوجه قد يكون نفيا لما تضمنه الابتداء عن نفسه وعن صاحبه ، ويكون تقديره : ما زنيت إلا بك ، فلما لم تكن زانيا لم أكن زانية ، كقول الرجل لصاحبه : دخلت الدار ؟ فيقول : ما دخلتها إلا معك ، يريد أنك لما لم تدخل الدار ، لم أدخلها ، فثبت بهذين المعنيين فرق ما بين الابتداء والجواب ، ولأجلهما جعلنا الابتداء صريحا ، والجواب كناية ، فإذا كان كذلك ، كان قولهما في الأمرين مقبولا ، وإن كان أخف أحوالها ، ثم ينظر في حال الزوج فله فيما بينه من هذا الوجه أربعة أحوال :

أحدها : أن يصدقها في الأمرين أنها ما أرادت إقرارا بالزنا ولا قذفه به ، فلا يمين له عليها ، ولا يلزمها حد قذف ولا زنا ، وعليه حد القذف لها ، إما أن يلاعن [ فإن لاعن سقط حد القذف عنه ووجب حد الزنا عليها إلا أن تلاعن ] ، فإن قيل : فكيف يلتعن منها وقد صدقها ، قيل : إنما صدقها على أن لم تقر بالزنا ، ولم يصدقها على أنها لم تزن ؛ فلذلك التعن .

والحال الثانية : أن يكذبها في الأمرين ويقول : بل أردت إقرارا بالزنا وقذفي به . فله إحلافها على الأمرين . أما الزنا فيحلف أنها ما أرادت الإقرار بالزنا ، ولا تحلف

[ ص: 101 ] أنها ما زنت ، وتكون يمينها في حق الزوج لما يتعلق به من سقوط حد القذف عنه لا في حق الله تعالى ، لأن منكر الزنا لا تجب [ عليه اليمين ] .

وأما القذف فتحلف بالله أنها ما أرادت قذفه ، ولا تحلف أنها قذفته ، وهل يلزمها في الأمرين يمين واحدة أو يمينان ؟ يحتمل وجهين :

أحدهما : يمين واحدة لتعلق الحق فيها بشخص واحد .

والوجه الثاني : يمينان ، لأن لكل واحد منهما حكما يخالف حكم الآخر ، فإن حلفت على الأمرين سقط عنها حد الزنا وحد القذف كما لو صدقها ، ووجب عليه حد القذف لها إلا أن يلاعنها ، وإن نكلت عن اليمين في الأمرين أحلف الزوج عليها أنها أرادت الإقرار بالزنا وأرادت قذفه بالزنا ، وهل يحلف يمينا أو يمينين على ما مضى من احتمال الوجهين ؟ فإذا حلف وسقط عنه حد قذفها ووجب عليها حد قذفه ولم تحد للزنا ؛ لأنها لا تحد في الزنا بيمين غيرها .

وإنما كانت يمين الزوج في حق نفسه لا في حق الله تعالى .

والحال الثالثة من أحوال الزوج : أن يصدقها على أنها لم ترد الإقرار بالزنا ، ويكذبها في أنها لم ترد قذفه بالزنا ، فيحلفها أنها لم ترد قذفه ، فإذا حلفت فلا حد عليها لقذف ولا زنا ، وعليه حد القذف لها إلا أن يلتعن ، وإن نكلت حلف وحدت له حد القذف ، وكان لها عليه حد القذف إلا أن يلتعن .

والحال الرابعة : أن يكذبها على أنها لم ترد الإقرار بالزنا ويصدقها على أنها لم ترد قذفه بالزنا ، فله إحلافها أنها لم ترد الإقرار بالزنا ، فإذا حلفت وجب عليه حد قذفها إلا أن يلتعن ، وإن نكلت كان مخيرا بين أن يحلف فيسقط عنه حد القذف فلا يجب عليها حد الزنا ، وبين أن يلتعن فيسقط عنه حد القذف ويجب عليها حد الزنا إلا أن يلتعن .

التالي السابق


الخدمات العلمية