الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإن ذكر في الرابعة أنه نسي سجدة من كل ركعة فإن الأولى صحيحة إلا سجدة وعمله في الثانية كلا عمل ، فلما سجد فيها لسجدة كانت من حكم الأولى وتمت الأولى ، وبطلت الثانية ، وكانت الثالثة ثانية ، فلما قام في الثالثة قبل أن يتم الثانية التي كانت عنده ثالثة كان عمله كلا عمل ، فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الثانية فتمت الثانية ، وبطلت الثالثة التي كانت عنده رابعة ، ثم يقوم فيأتي بركعتين ويسجد للسهو بعد التشهد ، وقبل السلام ، وعلى هذا الباب كله وقياسه " .

قال الماوردي : وصورتها في رجل صلى أربع ركعات وجلس للتشهد ، ثم ذكر أنه ترك من كل ركعة سجدة ، فالذي يحصل له على مذهب الشافعي ركعتان : ركعة من الأولى والثانية ، وركعة من الثالثة والرابعة ، واعتبار ذلك أن الركعة الأولى صحيحة إلا سجدة ، ، وعمله في الثانية باطل إلا سجدة تضم إلى الأولى فيتم له ركعة ، وعمله في الثالثة صحيح إلا سجدة وهي في التقدير ثانية ، وعمله في الرابعة باطل إلا سجدة تضم إلى الثالثة التي هي الثانية فيتم لها الركعة الثانية ، فيصير له ركعتان ، ثم ينظر فإن كان قد تشهد في الرابعة قام مقام تشهده في الثانية ، وإن لم يكن تشهد في الرابعة تشهد في الثانية ، وقام فيأتي بالركعتين تمام صلاته وتشهد فسجد للسهو وسلم .

[ ص: 222 ] وقال أبو حنيفة : يأتي بأربع سجدات متواليات في آخر صلاته ، ويجزئه : تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا قال : وهذا قد أدرك جميع الصلاة إلا أربع سجدات ، فوجب أن يلزمه قضاؤها لا غير . قال : ولأن كل ما يفعل على وجه التكرار لا يعتبر الترتيب في فعله ، كصوم رمضان إذا ترك صوم اليوم الأول منه وصام الثاني لم يقع عن الأول منه ، ووقع عن الثاني : كذلك الصلاة قال : ولأنه لو أحرم خلف الإمام ، ثم سها عن اتباعه في الأولى حتى دخل في الثانية صلاها معه وصحت هذه الركعة له وإن حصلت له الأولى ، كذلك إذا ترك منها سجدة جاز أن تصح له الثانية مع بقاء سجدة من الأولى .

والدلالة عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن عليه صلاة " ومعناه : لا ركعة ثانية لمن عليه أولى ، ولأنه شرع في الركعة الثانية قبل كمال الأولى ، فوجب أن لا يعتد له بالثانية قبل كمال الأولى .

أصله إذا ترك من الركعة الأولى سجدتين ، لأنه وافقنا أن يجبر سجدتين من الثانية ، وكذلك في السجدة الواحدة ، ولأن كل ترتيب إذا تركه عامدا لم يعتد بما فعله بعده ، فكذلك إذا تركه ناسيا .

أصله إذا تقدم الركوع على السجود ، ولأن كل ما شرط فعله في الصلاة مع الذكر لم يسقط بالسهو كالطهارة .

فأما تعلقه بالخبر فلا دلالة فيه ، لأنه يوجب قضاء ما فات ، والذي فاته عندنا ركعتان فيلزمه قضاؤهما ، وأما قوله إن ما يفعل على وجه التكرار يسقط فيه الترتيب كصوم رمضان ، ففاسد بالركوع يتكرر في الركعات ، ثم الترتيب فيه مستحق على أن المعنى في صوم رمضان أنه لو ترك ترتيبه عامدا لم يبطل ما صامه ، ولو فعل ذلك في صلاته عامدا بطلت ، فلذلك لم يسقط بالنسيان .

وأما قوله : إن الركعة أوكد من السجدة فمنكسر به إذا ترك سجدتين على أن هذا لا يصح على مذهبنا ، لأننا نقول : إنها تكون له أولى ، وإنما يصح على مذهبهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية