الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله تعالى عنه : ( ولو طرحت ما تعلم أنه ولد مضغة أو غيرها حلت ( قال المزني ) رحمه الله تعالى : في كتابين لا تكون به أم ولد حتى يبين فيه من خلق الإنسان شيء وهذا أقيس ) . قال الماوردي : اعلم أن إسقاط الولد يتعلق به ثلاثة أحكام : أحدها : انقضاء العدة . والثاني : كونها أم ولد . والثالث : وجوب العدة . وله في هذه الأحكام ثلاثة أحوال : أحدها : أن تكون مضغة . والثاني : أن تكون دونها . [ ص: 197 ] والثالث : أن تكون فوقها ، وإن كان دون المضغة نطفة أو علقة لم يتعلق بإلقائه شيء من هذه الأحكام الثلاثة ، فلا تنقضي العدة ولا تصير به أم ولد ولا يجب فيه الغرة ؛ لأنه دم فصار كدم الحيض ولا يتم به القروء بخلاف الحيض ؛ لأنه لم يدم دوام الحيض ، فإن اتصل به الدم حتى صار يوما وليلة فهو دم حيض يتم به الطهر ولا يكون نفاسا ؛ لأن النفاس ما اتصل بوضع الولد ، فإن كان قوي المضغة فهو ما استكمل خلقه وتشكلت أعضاؤه ولم يبق عليه إلا التمام والاشتداد ، فهذا تتعلق الأحكام الثلاثة به فتنقضي به العدة وتصير به أم ولد وتجب فيه الغرة ويكون ما اتصل به من الدم نفاسا ، وإن كانت مضغة فلها ثلاثة أحوال : أحدها : أن يظهر فيه بعض الأعضاء من عين ، أو إصبع ، أو تبين فيه أوائل التخطيط وأوائل الصورة فتتعلق فيه الأحكام الثلاثة ، وسواء كان ذلك ظاهرا مشاهدا أو كان خفيا تفرقه القوابل عند إلقائه في الماء الجاري فتنقضي به العدة ، وتصير به أم ولد وتجب فيه الغرة .

والحال الثانية : أن لا تبلغ هذه الحد وتضعف عن قوة الحمل المتماسك فيكون بالعلقة أشبه ؛ لأنه أول أحوال انتقاله عنها فلا يتعلق عليه شيء من الأحكام الثلاثة . والحال الثالثة : أن يكون لحما متماسكا قد تهيأ للانتقال إلى التصور والتخطيط ، ولم يبد فيه تصور ولا تخطط لا ظاهر ولا خفي ، فظاهر ما قاله الشافعي هاهنا في القديم أن العدة تنقضي به ، وظاهر ما قاله في أمهات الأولاد : أنها تصير به أم ولد فاختلف أصحابنا فيه على وجهين : أحدهما : أن جمعوا بين الحالتين وخرجوها على قولين : أحدهما : تنقضي به العدة وتصير به أم ولد وتجب فيه الغرة ؛ لأنه في مبادئ الخلقة فجرى عليه حكمها . والقول الثاني : لا تنقضي به العدة ولا تصير به أم ولد ولا تجب فيه الغرة ؛ لأنه لم يستقر به خلقه . والوجه الثاني : أن الجواب على ظاهره في الموضعين فتنقضي به العدة ولا تصير به أم ولد ولا تجب فيه الغرة . والفرق بينهما : أن العدة موضوعة لاستبراء الرحم ، وإلقاؤه وإن لم يتصور مستبرئ لرحمها كما لو تصور فلذلك انقضت العدة به ، وهي إنما تصير أم ولد إذا انطلق اسم الولد عليه وثبتت حرمته فتعدت إليها ، وهو قبل التصور لا ينطلق عليه اسم الولد استقرت له حرمة تعدت إليها ، فلذلك لم تصر به أم ولد ولم تجب فيه الغرة . [ ص: 198 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية