الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : ( فإن ولدت التي قال زوجها لم أدخل بها لستة أشهر أو لأكثر ما يلد له النساء من يوم عقد نكاحها لحق نسبه وعليه المهر إذا ألزمناه الولد حكمنا عليه بأنه مصيب ما لم تنكح زوجا غيره ويمكن أن يكون منه ) . [ ص: 218 ] قال الماوردي : وصورتها في المطلق إذا أنكر الإصابة فجعلنا القول قوله مع يمينه ولم يحكم لها إلا بنصف المهر ، إما مع عدم الخلوة قولا واحدا ، وإما مع وجودها على أصح الأقاويل ، ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا من يوم العقد ولأربع سنين فما دونها من يوم الطلاق فالولد لاحق به إن صدقها على ولادته لقوله صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش ولا ينتفي عنه باللعان وإن أكذبها وادعى أنها التقطته حلف وهو منفي عنه بغير لعان إلا أن تقيم البينة على ولادته فيصير لاحقا به إلا أن ينفيه باللعان ، فأما استكمال المهر فمعتبر بما تدعيه الزوجة من علوق الولد ، فإن وافقته على عدم الإصابة وادعت أنها علقت باستدخال مائه قبل قولها ولم يكمل مهرها مع عدم الإصابة ، وإن أكذبته وادعت الإصابة ، فهل تكون ولادتها دليلا على صدقها في الدخول ، واستكمال المهر بالإصابة أم لا ؟ معتبر بحال الولد اللاحق للنسب ، فإنه لا يخلو من أحد أمرين . إما أن يقر على نسبه ، أو ينفي نسبه باللعان . فإن أقر على نسبه فالذي نقل المزني والربيع أنه يحكم لها بالإصابة وكمال المهر : لأن لحوق الولد به شاهد لها على إصابته ، قال الربيع : وفيها قول آخر : أنه لا يحكم لها بالإصابة ولا تستحق من المهر إلا نصفه ؛ لأنه قد تجوز أن يكون علوقها به من استدخال مائه فلم يحكم باستكمال المهر مع الشك في استحقاقه ، فاختلف أصحابنا في هذا القول الذي تفرد به الربيع هل قاله تخريجا لنفسه أو نقلا عن الشافعي على وجهين : أحدهما : أنه قاله تخريجا لنفسه ، لأنه لم يجد للشافعي في شيء من كتبه ولا وجه لتخريجه : وأن ظاهر الحكم محمول على غالب الحال دون نادرها ، والغالب من علوق الولد أنه يكون من الوطء دون الاستدخال فوجب أن يكون محمولا عليه وشاهدا فيه . والوجه الثاني : أنه قال نقلا عن الشافعي : لأنه راوي أقاويله ، وحاكي مذاهبه ، فعلى هذا اختلف أصحابنا ، هل يحمل ذلك على اختلاف قولين أو على اختلاف حالين : على وجهين : أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه محمول على اختلاف قولين : أحدهما : يكمل به المهر على ما نقله المزني . والثاني : لا يكمل به المهر على ما حكاه الربيع . والوجه الثاني : وحكاه أبو إسحاق المروزي أنه محمول على اختلاف حالين لا على اختلاف قولين فرواية المزني أنه يكمل به المهر إذا كانت الولادة بعد إنكار الزوج للإصابة وقبل اختلافه عليها ؛ لأن الحكم فيها لم ينبرم ، ورواية الربيع أن المهر لا يكمل [ ص: 219 ] إذا كانت الولادة بعد إحلافه عليها وانبرام الحكم فيها فلم يتعقب بنقض ، وإن كان الولد قد نفاه باللعان ، فقد قال أبو حامد الإسفراييني : إن نفيه باللعان كجحوده لولادته ، ويصير كاختلافهما لو لم تأت بولد فلا يكون لها من المهر إلا نصفه وسوى بين جحوده لولادته وبين نفيه ، وهذا ليس بصحيح عندي بل حكم نسبه قد ثبت فتثبت به الولادة ، وإنما استأنف نفيه بعد لحوقه فلم يجز أن يكون مساويا لمن لم يلحق نسبه فاقتضى أن يستكمل به مهرها على ما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية