الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولا تخرج إلى الحج بعد انقضاء العدة ولا إلى مسيرة يوم إلا مع ذي محرم إلا أن يكون حجة الإسلام ويكون مع نساء ثقات " . قال الماوردي : اعلم أن اجتماع العدة والإحرام ينقسم أربعة أقسام : أحدها : أن يتقدم وجوب العدة بموت أو طلاق ثم تحرم بالحج قبل انقضاء العدة فعليها أن تقيم لاستكمال العدة ، ولا يجوز أن تحج في تضاعيفها وإن خافت الفوات لتقدم وجوب العدة على الإحرام ، فإن انقضت عدتها ووقت الحج ممكن خرجت لأدائه ، وإن فاتها الحج جرى عليها حكم فواته ، وهذا متفق عليه . والقسم الثاني : أن يتقدم إحرامها بالحج عن إذنه ، ثم تجب العدة عليها بطلاقه أو موته قبل أدائه ففرض الحج مقدم على العدة ، فإن كان الوقت مضيقا خرجت للحج ، وإن كان متسعا كانت مخيرة بين تقديم العدة على الخروج إلى الحج ، وبين تقديم الخروج للحج على المقام للعدة . وقال أبو حنيفة : مقدمة على الخروج للحج فيلزمها المقام للعدة ، وإن فاتها الحج : لأن فوات الحج يقضى وفوات العدة لا يقضى ، ولأن العدة من الحقوق المشتركة فكانت أوكد من الحقوق المفردة . ودليلنا قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة : 196 ] وحقيقة الإتمام [ ص: 265 ] إكمال ما دخل فيه ؛ ولأنهما عبادتان متقابلتان فوجب أن يترجح حكم أسبقهما ، ألا ترى أنه لو تقدمت العدة على الإحرام غلب حكم العدة ، كذلك إذا تقدم الإحرام على العدة ، وجب أن يغلب حكم الإحرام ، ولأن الإحرام أغلظ أحكاما من العدة فلم يجز أن يضعف عنها عند المزاحمة . واستدلاله بأن فوات الحج يقضى فهو دليل على قوته ، وتغليظ حكمه فلم يجز أن يجعل عند المزاحمة على ضعفه واستدلاله بأن العدة حق مشترك فهو دليل على الضعف دون القوة : لأن حقوق الله تعالى المحضة أوكد . والقسم الثالث : أن يتقدم الإحرام بالحج على العدة ، ثم تطرأ العدة بموت أو طلاق بعد إتمام الحج فيكون حكمها في العدة من سافرت عن إذنه ثم وجبت العدة عليها بعد السفر بموته ، أو طلاقه ، وذلك بأن تعود إلى بلدها فتقضي فيه عدتها على ما قدمناه . والقسم الرابع : أن تتقدم العدة على الإحرام ، ثم تستأنف الإحرام بعد كمال العدة فهي مسألة الكتاب وليست من العدد ، وإنما ذكرها تبعا ، وإذا كان كذلك ما اعترض عليها في حق الزوج بعد كمال العدة ، والكلام في حجها هل يفتقر إلى ذي محرم أم لا ؟ فقال أبو حنيفة : لا يجوز أن تحرم للحج إلا مع ذي محرم سواء كان فرضا أو تطوعا تمسكا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم . وقال الشافعي : إن كان الحج فرضا لم يكن المحرم فيه شرطا إذا كان الطريق آمنا ، وإذا كان تطوعا لم تخرج إلا مع ذي محرم لافتراقهما في الغرض ، وإن وجوب الحج معتبر بالزاد والراحلة ، ولو كان المحرم شرطا لكان من شروط الاستطاعة المعتبرة في الوجوب ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعدي بن حاتم : يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تأم البيت لا جوار معها لا تخاف إلا الله فلولا جوازه لما أقر عليه ؛ ولأن وجوب السفر يسقط اشتراط المحرم فيه كالهجرة من دار الشرك ، وقد مضت هذه المسألة في كتاب الحج مستوفاة وتأولنا الخبر على التطوع دون الفرض ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تصومن امرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه فحمل على صوم التطوع دون الفرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية