الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو تزوجت نصرانية نصرانيا فأصابها أحلها لزوجها المسلم ويحصنها ؛ لأنه زوج ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا ، ولا يرجم إلا محصنا " . قال الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على خمسة فصول : قد تقدم الكلام في كل فصل منها : أحدها : أن مناكح المشركين صحيحة وأبطلها مالك . والدليل عليه قوله تعالى : وامرأته حمالة الحطب [ المسد : 4 ] فجعلها زوجة بنكاح الشرك ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ولدت من نكاح لا من سفاح ولأنه لما جاز إقرارهم عليها بعد إسلامهم جاز ودل على صحتها في شركهم . [ ص: 286 ] والفصل الثاني : وقوع الطلاق في مناكحهم حتى إن طلقها في الشرك ثلاثا ثم أسلما لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره . وقال مالك : لا يقع بينهم طلاق بناء على مذهبه في فساد مناكحهم . ودليلنا قول الله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] فكان على عمومه . والفصل الثالث : ثبوت إحصانهم بالإصابة في مناكحهم . وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا إحصان لهم ، ودليلنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " رجم يهوديين زنيا " ولا يرجم إلا محصنا ؛ ولأنها إصابة في نكاح يقر عليها أهله فوجب أن يثبت بها الحصانة كالمسلمة . والفصل الرابع : أن المسلم إذا طلق الذمية ثلاثا ، ونكحت بعده ذميا أحلها للمسلم بعد طلاقه لها . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يحلها ودليلنا قول الله تعالى : حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] فكان على عمومه : ولأنه نكاح يقر عليه الزوج فجاز أن يستباح بالإصابة فيه نكاح الأول كالمسلم . والفصل الخامس : وجوب العدة على الذمية من المسلم والكافر . وقال أبو حنيفة ، ومالك : عليها العدة من المسلم وليس عليها العدة من الكافر . ودليلنا : قول الله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبي هوازن : ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض وقد كن ذوات أزواج في الشرك ؛ ولأن عليها أن تحفظ أنساب المشركين كما تحفظ أنساب المسلمين لقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله [ البقرة : 149 ] ولتمييز أنساب المسلمين من أنساب المشركين لاختلافهما في الأحكام فاستويا في العدة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية