الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الرابع من أحوالها الأربعة وهو أن يمكن لحوقه بالأول وبالثاني ، فهو أن تضعه لأربع سنين فما دونها من طلاق الأول ، ولستة أشهر فما فوقها من دخول الثاني فيمكن أن يلحق بكل واحد منهما ؛ لأنه لم يزد على هذه أكثر الحمل في حق الأول ولا ينقص عن مدة أقل الحمل في حق الثاني فاستويا في لحوقه بهما ، وإذا كان كذلك وجب أن يدعى له القافة حتى يلحقوه بأحدهما ، فإن ألحقوه بالأول انقضت [ ص: 303 ] به عدته ، واستأنفت عدة الثاني بثلاثة أقراء ، وإن ألحقوه بالثاني انقضت به عدته وكملت عدة الأول بقرأين ، وإن لم يكن في القافة بيان وقف الولد إلى زمان الانتساب لينتسب بطبعه إلى أبيه منهما ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الرحم إذا تماست تعاطفت وفي زمان انتسابه ذكرا كان أو أنثى قولان : أحدهما : إذا استكمل سبع سنين ، وهو الزمان الذي يخير فيه بين أبويه . والقول الثاني : إذا بلغ ليجري عليه القلم فيكون لقوله حكم ، فإذا انتسب إلى أحدهما ألحق به وانقطعت عنه أبوة الآخر ، وإن توقف عن الانتساب أخذ به جبرا حتى ينتسب لما في ثبوت نسبه من حق له وعليه . فأما العدة : فقد انقضت بوضع الحمل إحدى العدتين ، لا بعينها ، وبقيت عليها إحداها لا بعينها ، ويجوز أن يكون بقرأين إن كان الولد لاحقا بالثاني أو ثلاثة أقراء إن كان لاحقا بالأول ، فلزمها أن تعتد أوفاهما وهو ثلاثة أقراء لتكون على يقين من قضائها ، وأما الرجعة فلا تخلو مراجعة الأول لها من أن يكون في الحمل أو في الأقراء فإن راجعها في الحمل كان معتبرا بحال الحمل فإن لحق بالثاني فرجعة الأول فيه باطلة ، وإن لحق بالأول ففي صحة رجعته وجهان حكاها أبو حامد الإسفراييني : أحدهما : تصح رجعته ؛ لأنها صادفت عدته . والوجه الثاني : لا تصح ؛ لأنه راجع على شك من استحقاق الرجعة ، وهذان الوجهان كمن باع دار أبيه يعتقد حياته ، وكان ميتا ففي صحة بيعه وجهان ، وإن راجع في الأقراء التي بعد الحمل نظر في رجعته ، فإن كان في القرء الثالث لم تصح الرجعة ؛ لأن القرء الأول لا يجوز أن تكون في عدته يقينا ؛ لأنه إن لحق به الحمل كانت عدته به ، والأقراء من الثاني ، وإن لم يلحق به الحمل كانت عدته قرأين ، وكان الثالث من غير عدته فلذلك بطلت رجعته فيه بكل حال ، وإن راجع في القرأين كان معتبرا بالحمل فإن كان لاحقا به بطلت رجعته في القرأين ؛ لأنهما في عدة الثاني ، وإن كان الحمل لاحقا بالثاني ، وكان القرآن من عدة الأول ففي صحة رجعته فيه وجهان : أحدهما : تصح ؛ لأنها صادفت عدته . والثاني : لا تصح لوجودها في زمان الشك ، وأما تزويجها فلا يجوز لغير الثاني أن يتزوجها ما لم تنقض عدتها ، فأما الثاني إذا قيل بالصحيح من الوجهين أنها لا تحرم عليه ، فلا يجوز له أن يتزوجها في مدة الحمل سواء لحق به أو لم يلحق ؛ لأنه إن لم يلحق به فهي معتدة من غيره ، وإن لحق به فعليها بعده عدة لغيره ، وإن تزوجها في الأقراء بعد الحمل نظر في حال تزويجه ، فإن كان في القرأين فهو باطل ؛ لأنه متردد بين أن يكون من عدته فيصح ، وبين أن يكون من عدة الأول فيبطل فصار مترددا بين [ ص: 304 ] حظر وإباحة فبطل ؛ لأن النكاح لا يستباح بالشك وسواء بان من بعد أنه من عدته أم لا ، بخلاف الرجعة في أحد الوجهين ؛ لأن النكاح عقد لا يجوز أن يكون موقوفا على خلوها من العدة ، والرجعة يصح أن تكون موقوفة على بقاء العدة ، وإن تزوجها في القرء الثالث صح النكاح ؛ لأنه متردد بين أن تكون فيه معتدة منه أو خالية من عدة ، وليس في واحد منهما مانع من نكاحها .

التالي السابق


الخدمات العلمية