الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والنفقة على الزوج الصحيح النكاح ولا آخذه بنفقتها حتى تلده ، فإن ألحق به الولد أعطيتها نفقة الحمل من يوم طلقها وإن أشكل أمره لم آخذه بنفقته حتى ينتسب إليه فإن ألحق بصاحبه فلا نفقة منه ؛ لأنها حبلى من غيره ( قال المزني ) رحمه الله : خالف الشافعي في إلحاق الولد في أكثر من أربع سنين بأن يكون له الرجعة " . قال الماوردي : وهذه المسألة مقصورة على بيان النفقة للمنكوحة في العدة ، ومقدمتها أن العدة على ضربين : أحدهما : من نكاح صحيح . والثاني : من نكاح فاسد . فأما العدة من النكاح الصحيح فعلى ضربين : أحدهما : رجعية . [ ص: 308 ] والثاني : مبتوتة . فأما الرجعية فلها النفقة في العدة حاملا كانت أو حائلا ؛ لأنها في معاني الزوجات ونفقتها معجلة ، وتستحقها يوما بيوم . وأما المبتوتة فلها حالتان : حامل وحائل فالحائل لا نفقة لها ، والحامل لها النفقة وفيها قولان : أحدهما : أن النفقة وجبت لها . والثاني : لحملها وفي صفة استحقاقها قولان : أحدهما : معجلة في كل يوم . والثاني : مؤجلة بعد الوضع . وأما العدة من النكاح الفاسد فعلى ضربين : أحدهما : أن تكون بغير حمل إما بشهور أو أقراء ، فلا نفقة فيها للمعتدة . والضرب الثاني : أن تكون بحمل ففي وجوب نفقتها قولان : أحدهما : لا نفقة لها إذا قيل : إن نفقة الحامل مستحقة للحمل لكونها حاملا . والقول الثاني : لها النفقة إذا قيل : إن نفقة الحامل مستحقة للحمل ، وهل تستحقها معجلة أو بعد الوضع على قولين : فإذا ثبتت هذه المقدمة ، وكانت المنكوحة في العدة ذات حمل ترتب على ما قدمناه من الأقسام الأربعة : أحدها : أن يلحق بالأول دون الثاني فنفقتها في مدة الحمل واجبة على الأول لصحة نكاحه ، فإن كانت رجعية استحقتها معجلة يوما بيوم من بعد فراق الثاني ، وإلى وقت الولادة ولا تستحقها في نفاس الولادة ، وإن كانت مبتوتة فعلى ما ذكرناه من القولين : أحدهما : تستحقها معجلة كذلك . والثاني : مؤجلة بعد الولادة ولا نفقة لها على الزوج الثاني في امتدادها منه بالإقراء لفساد نكاحه . والقسم الثاني : أن يلحق الولد بالثاني دون الأول ، فهل على الثاني نفقتها في مدة الحمل أم لا ؟ على قولين : [ ص: 309 ] أحدهما : لا نفقة لها إذا قيل : إن نفقة الحامل لكونها حاملا . والقول الثاني : لها النفقة إذا قيل لحملها ، وفي تعجيلها وتأجيلها قولان : فأما نفقتها في عدة الأول بالأقراء بعد الحمل ، فإن كانت مبتوتة فلا نفقة لها ، وإن كانت رجعية فلها النفقة ، وفيها وجهان : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي - أنها تستحقها من بعد انقطاع دم نفاسها ، لأن دم النفاس غير معتبر به . . والوجه الثاني : لها النفقة من بعد الولادة في مدة النفاس ، وما بعدها إلى انقضاء عدتها ؛ لأنها جارية في العدة ، وإن لم تعتد بالنفاس كما لو طلقها حائضا كانت لها النفقة في حيضها ، وإن كانت غير معتدة به . والقسم الثالث : أن لا يلحق الولد بواحد منهما فلا نفقة لها على واحد منهما في مدة حملها ؛ لأنه غير لاحق به ولا في حال عدتها من الثاني لفساد نكاحه ، فأما الأول فإن كانت مبتوتة منه فكذلك لا نفقة لها عليه في عدتها منه ، وإن كانت رجعية ، فلها النفقة في العدة . والقسم الرابع : وهو المنظور أن يمكن لحوقه بكل واحد منهما فنفقتها معتبرة بطلاق الأول وهو على ضربين : رجعي ، وبائن ، فإن كان رجعيا فالنفقة في عدته مستحقة ويترتب استحقاقها على اختلاف قول الشافعي في الحمل إن لحق بالثاني ، فهل عليه نفقته أم لا ؟ على قولين : أحدهما : لا نفقة عليه إذا قيل : إن النفقة للحامل ، فعلى هذا لا تستحق نفقة الحمل على واحد منهما ؛ لأنه متردد بين أن يلحق بالثاني فتسقط نفقته ، وبين أن يلحق بالأول فتجب نفقته فصارت نفقته مترددة بين وجود وإسقاط ، فلم تجب لكنها في عدة الأول مستحقة للنفقة لكونها رجعية ، ونفقتها معجلة في كل يوم ؛ لأنها في حكم الزوجة وعدتها مترددة بين أن تكون بالحمل إن لحق به أو بالأقراء إن انتفى عنه فوجب أن يؤخذ بنفقة أقصى المدتين لاستحقاقها يقينا ، فإن كانت مدة الحمل أقصر أخذ بنفقتها في مدة حملها ، وإن كانت مدة الأقراء أقصر أخذ بنفقة قرأين ، لأنهما قدر الباقي من عدته ، ثم يراعى حال الحمل بعد ولادته ، فإن لحق بالأول تقدرت نفقتها بمدة الحول ، فإن كانت هي أقصر المدتين فقد استوفتها ، وإن كانت أطولها رجعت عليه بالباقي منها ، وإن لحق بالثاني تقدرت نفقتها بمدة القرأين ، فإن كانت أقصر المدتين فقد استوفتها ، وهل تستحق معها نفقة مدة النفاس أم لا ؟ على ما مضى من الوجهين ، وإن كانت أطول المدتين رجعت عليه بما بقي منها ، وهل يضاف إليها مدة النفاس أم لا ؟ [ ص: 310 ] على الوجهين ، فهذا حكم النفقة على القول الأول . والقول الثاني : أن نفقة الحمل مستحقة على الثاني ، إن لحق به إذا قيل إن النفقة للحمل ، فعلى هذا يترتب ذلك على اختلاف قولي الشافعي فهل يستحق نفقة الحمل معجلة في كل يوم أو مؤجلة بعد الولادة على قولين : أحدهما : تستحق مؤجلة بعد الولادة ، فعلى هذا لا يؤخذ بالثاني بشيء منها قبل الولادة لجواز أن يلحق بالأول ، ويكون مأخوذا بنفقة العدة في أقصر المدتين على ما مضى معجلة ؛ لأنها في حقه نفقة زوجية ، وفي حق الثاني نفقة حمل ، ثم يراعى ما ينتهي إليه حال الحمل ، فإن لحق بالأول فلا شيء على الثاني ، وقد تقدرت نفقتها على الأول بمدة الحمل فيعتبر فيه ، هل هي أقصر المدتين أو أطولهما ، فيكون على ما مضى ، وإن لحق بالثاني رجعت عليه بنفقة مدة الحمل ، وتقدرت عدة الأول بقرأين فتكون على ما مضى ، وإن لحق بالثاني رجعت عليه بنفقة مدة الحمل ، وتقدرت عدة الأول بقرأين فيكون على ما مضى . والقول الثاني : إن نفقة الحمل تستحق معجلة في كل يوم ، فعلى هذا قد استوى الأول والثاني في نفقة الحمل لوجوبها على كل واحد منها إن لحق به ، وتكون نفقة الحمل هي المعتبرة وقد صار الأول والثاني فيها سواء فيؤخذان جميعا بها ؛ لأنه ليس أحدهما بأولى بتحملها من الآخر ، ثم يعتبر حاله بعد الولادة ، فإن لحق بالأول فلا شيء على الثاني ، ويرجع على الأول بما أنفق ، وإن لحق بالثاني رجع الأول عليه بما أنفق ، وكان على الأول نفقة عدته بالأقراء ، وهي قرآن ، وهل يضم إليها نفقة النفاس على الوجهين .

التالي السابق


الخدمات العلمية