الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو وطئ المكاتب أمته فولدت ألحقته به ، ومنعته الوطء وفيها قولان أحدهما لا يبيعها بحال ؛ لأني حكمت لولدها بحكم الحرية إن عتق أبوه ، والثاني أن له بيعها خاف العجز أو لم يخفه ( قال المزني ) رحمه الله : القياس على قوله أن لا يبيعها كما لا يبيع ولدها " . قال الماوردي : يجوز للمكاتب أن يستبرئ الرقيق من العبيد ، والإماء إذا قصد به تمييز المال لوجود الفضل فيه كسائر الأموال ، فإذا ملك أمة لم يكن له وطؤها لأمرين : أحدهما : أنه غير مستقر الملك كالعبد ، ولا يجوز أن يطأ بالملك إلا مالك . والثاني : أنه ربما أحبلها فنقصت قيمتها ، ولم يؤمن تلفها ، والمكاتب ممنوع من إتلاف ما بيده أو إحداث نقص فيه ، فإن استأذن سيده في وطئها ، فلم يأذن له فالحظر باق لحاله ، وإن أذن له في وطئها ، فلم يأذن له فالحظر باق بحاله ، وإن أذن له في وطئها لم يحتج إلى تمليك ؛ لأن المكاتب مالك بالكتابة ، وفي جواز وطئه بإذن سيده قولان ، بناء على اختلاف قوليه في العبد ، هل يملك إذا ملك ، فعلى قوله في القديم يملك إذا ملك ، ويجوز له أن يطأ إذا أذن له السيد ، وعلى قوله في الجديد لا يملك [ ص: 341 ] وإن ملك ، ولا يجوز له أن يطأ وإن أذن له السيد ؛ لأن الإذن بالوطء أن لا يملك إباحة الفرج المملوك ، والفرج لا يحل بالإباحة ، فإن وطئها المكاتب فأحبلها فلا حد عليه سواء استأذن سيده أو لم يستأذنه ؛ لأنه على أحد القولين مالك ، وعلى الثاني في شبهة ملك ، ولا حد في واحد منهما ولا مهر عليه ؛ لأن مهرها من كسبه ، والولد لاحق به لسقوط الحد عنه ، ولا يعتق عليه ، ولأن ولده في حكمه ، وهو لا يعتق على نفسه ، فكذلك لا يعتق عليه ولده ، ولا يجوز له بيعه ؛ لأن الوالد لا يجوز له بيع ولده كما لا يجوز له بيع نفسه ، فإن خاف العجز إن لم يبعه ، قال أبو سعيد الإصطخري يجوز له حينئذ بيعه ؛ لأن عجزه مفض إلى رقها ، فكان بيعه في عتق الأب أولى من استرقاقه مع الأب . وذهب سائر أصحابنا ، وهو الظاهر من مذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز له بيعه إن خاف العجز ؛ لأن العتق ببيعه مظنون لجواز أن يتلف ثمنه قبل أدائه في الكتابة ، فلم يجز أن يسقط بهذا التجويز ما استحقه على أبيه ، وقد يقابل هذا التجويز مثله من أن قد يجوز أن يكتسب المكاتب مالا قبل تعجزه من هبة أو لفظة فيعتقان معا فلا يرفع هذا التجويز بمثله ، وإذا تقابل التجويز إن سقطا ، وكان الأصل حظر بيعه عليه ، فأما أمه فهل تصير به أم ولد للمكاتب يمنع من بيعها أم لا ؟ على قولين : أحدهما : لا تصير أم ولد للمكاتب ، ويجوز له بيعها ؛ لأنها علقت منه بمملوك ، فلم يكن له حرمة حرية مشترى إليها ، وليس ما يرجى من حدوث عتقه بموجب لتحريم بيعها كما لو أولدها بعقد نكاح لم تصر به أم ولد إن ملكها ، ولو اشتراهما بعد الحرية عتق عليه الولد ، ولم يوجب حدوث عتقه تحريم بيعها ، فعلى هذا يجوز له بيعها سواء أدى فعتق أو عجز فرق . والقول الثاني : واختاره المزني أنها قد صارت به أم ولد للمكاتب يحرم عليه بيعها ، لأنه لما منع من بيع ولدها انتشرت حرمة هذا المنع إليها فصار ممنوعا من بيعها ، فعلى هذا يمنع من بيع ولدها ، وبيع أمته في حال كتابته ، ثم ينظر ما يكون من حاله في الكتابة فإن أدى فعتق عتق عليه ولده عند عتقه بالأداء ، واستقر لأمته حكم أم الولد فحرم عليه بيعها على الأبد ، وعتقت عليه بالموت ، وإن عجز ورق صار الولد وأمته مملوكين للسيد مع الأب ، وجاز له بيعهم إذا شاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية