الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وكذلك أبان " المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض واحتج فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل لما قالت له : كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا تأمرني فقال عليه السلام : - فيما بلغنا - أرضعيه خمس رضعات ، فيحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه ابنا من الرضاعة ، فأخذت بذلك عائشة رضي الله عنها فيمن أحبت أن يدخل عليها من الرجال ، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس ، وقلن : ما نرى الذي أمر به صلى الله عليه وسلم إلا رخصة في سالم وحده ، وروى الشافعي رحمه الله أن أم سلمة قالت في الحديث هو لسالم خاصة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا كان خاصا فالخاص مخرج من العام ، والدليل على ذلك قول الله جل ثناؤه : حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فجعل الحولين غاية ، وما جعل له غاية فالحكم بعد مضي الغاية خلاص الحكم قبل الغاية كقوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فإذا مضت الأقراء فحكمهن بعد مضيها خلاف حكمهن فيها ( قال المزني ) وفي ذلك دلالة عندي على نفي الولد لأكثر من سنتين بتأقيت حمله ، وفصاله ثلاثين شهرا كما نفى توقيت الحولين الرضاع لأكثر من حولين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكان عمر رضي الله عنه لا يرى رضاع الكبير يحرم ، وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما وقال [ ص: 367 ] أبو هريرة رضي الله عنه : لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء " . قال الماوردي : وذهب أكثر الفقهاء إلى أن رضاع الكبير لا يحرم ، وقالت عائشة : رضاع الكبير يحرم كرضاع الصغير ، وبه قال من الفقهاء الأوزاعي ويشبه أن يكون قول أهل الظاهر احتجاجا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل : أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن عليك وكان سالم كبيرا ، وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا أحبت أن يدخل عليها من الرجال أحد أمرت أختها أم كلثوم ، أو غيرها من بنات إخوتها وبنات أخواتها أن ترضعه خمس رضعات يصير بهن محرما ، وخالفتها أم سلمة ، وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قلن : ما نرى رضاع الكبير إلا رخصة في سالم وحده . والدليل على أن رضاع الكبير لا يحرم قول الله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة [ البقرة : 223 ] فجعل تمام الرضاع في الشرع مقدرا بحولين فاقتضى أن يكون حكمه في الشرع بعد الحولين مخالفا لحكمه في الحولين ، وحكمه في الشرع هو التحريم . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا رضاع بعد الحولين نفيا لتحريمه لا لجوازه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا رضاع بعد فطام يعني لا يحرم رضاع بعد انقضاء زمانه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الرضاعة من المجاعة وما سد الجوعة والكبير لا يسد الرضاع جوعته ، فلم يثبت له فيه حكم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم وروي : الرضاعة ما فتقت الأمعاء وأنبتت اللحم وهذا لا يكون إلا في الصغير ، وقد مضى الجواب عن حديث سالم في اختصاصه بالرضاع في الكبير دون الصغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية