مسألة : قال  
الشافعي   رضي الله عنه : " ولو  
صلى رجل وفي ثوبه نجاسة من دم أو قيح  وكان قليلا مثل دم البراغيث ، وما يتعافاه الناس لم يعد ، وإن كان كثيرا أو قليلا بولا أو عذرة أو خمرا وما كان في معنى ذلك أعاد في الوقت وغير الوقت . ( قال  
المزني      ) . ولا يعدو من صلى بنجاسة من أن يكون مؤديا فرضه أو غير مؤد وليس ذهاب الوقت بمزيل منه فرضا لم يؤده ، ولا إمكان الوقت بموجب عليه إعادة فرض قد أداه " .  
قال  
الماوردي      : هذا صحيح ، توقي الأنجاس واجب في الصلاة ، وبه قال الفقهاء ، وإن صلى بالنجاسة فصلاته باطلة ، وقال  
ابن عباس   ،  
وابن مسعود   ،  
وسعيد بن جبير   ،  
وابن أبي ليلى      : إن صلى وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة ، فصلاته جائزة ، قلت النجاسة أو كثرت أي نجاسة كانت .  
وروي  عن  
ابن مسعود   أنه نحر جزورا وأصاب ثيابه من فرثها ، ودمها ، فقام ، وصلى     .  
وروي  عن  
ابن عباس   أنه قال : ليس على الثوب جنابة     .  
وقال  
سعيد بن جبير   ، اتلوا علي الآية التي فيها غسل الثوب من النجاسة  ، والدلالة على ما ذهبنا إليه قوله تعالى :  
وثيابك فطهر  والرجز فاهجر     [ المدثر : 4 ، 5 ] . والرجز : النجاسة وأما قوله تعالى :  
وثيابك فطهر  ففيه تأويلان :   
[ ص: 241 ] أحدهما : قاله  
ابن عباس   ،  
وسعيد بن جبير   ، أن تأويله لا تلبس ثيابك على الغدر والمعاصي ، والعرب تقول لمن غدر دنس الثوب ، ولمن وفى بعهده طاهر الثوب وقال  
امرؤ القيس      :  
ثياب  بني عوف   طهارى نقية  وأوجههم عند المشاهد غران  
والثاني : أنه أراد وثيابك فقصر كي لا تنجر كبرا ، أو خيلاء  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921491قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، وما بين ذلك إلى الكعبين فمباح وما فوق الكعبين في النار     .  
والتأويل الثالث : قاله  
الحكم   ،  
ومجاهد      : أن معناه وعملك فأصلح . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  
يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات فيهما  يعني : عمله الصالح ، والطالح .  
والتأويل الرابع : قال  
الحسن   معناه : أن خلقك فحسن .  
والتأويل الخامس : أن معناه وقلبك فطهر قال الشاعر :  
وإن تك قد ساءتك مني خليقة      فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي  
يعني : قلبي من قلبك .  
والتأويل السادس : وهو الصحيح ، وبه قال  
محمد بن سيرين   ، والفقهاء : إن معناه  
وثيابك فطهر     [ المدثر : 4 ] . من النجاسة بالماء ، وهو المعمول عليه ، لأن حقيقة الثياب ما لبست ، وحقيقة الطهارة عن النجاسة فلا وجه لحمله على غير الظاهر إذا كان الظاهر جليا ، وقال عز وجل :  
وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود  فيه تأويلان :  
أحدهما : من الأصنام .  
والثاني : من المشركين ، فإذا وجب تطهيره من الأصنام والمشركين مع طهارتهم كان تطهيره من الأنجاس أولى .  
وروى  
الأعمش   ، عن  
أبي صالح   ، عن  
أبي هريرة   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921493أكثر عذاب القبر من البول  وما وجب العذاب من أجله فاجتنابه واجب .  
وروت  
 nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر  nindex.php?page=hadith&LINKID=921494أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في دم الحيض : حتيه ، ثم اقرضيه ، ثم اغسليه بالماء  وروت  
أم قيس بنت محصن  أنها  
nindex.php?page=hadith&LINKID=921495سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال : اقرضيه ، واغسليه بماء وسدر  فدل أمره بغسله على وجوب إزالته .   
[ ص: 242 ] فإذا تقرر هذا فالنجاسة ضربان :  
أحدهما : ما  
استوى حكم قليله وكثيره في المنع منه وبطلان الصلاة به  وهو الغائط ، والبول ، والخمر ، وما لا يشق التحرز منه .  
وقال  
أبو حنيفة      : يعني عن قدر الدرهم البغلي ، فما دونه قال : لأنها نجاسة يسيرة فوجب أن يعفى عنها قياسا على أثر الاستنجاء .  
وقال  
مالك      : إن كان وقت الصلاة باقيا أعاد الصلاة في قليل النجاسة ، وكثيرها وإن فات لم يعد في قليل النجاسة وكثيرها .  
واستدل بما روي  
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فرأى في ثوبه لمعا من نجاسة فبعث به إلى  عائشة  رضي الله عنها لتغسله  ، ولم ينقل أنه أعاد صلاته .  
والدلالة عليهما من طريق المعنى : على ما تقدم من الظواهر هو أنها نجاسة يمكن الاحتراز منها فوجب أن لا يعفى عنها .  
أصله مع  
أبي حنيفة   ما زاد على الدرهم ومع  
مالك   ما لم يخرج الوقت ، ولأن التطهير إذا أمكن من غير مشقة في محل لم يجز العفو عنه عن قدر الدرهم كأعضاء الطهارة في الحدث .  
فأما قياس  
أبي حنيفة   على أثر الاستنجاء فغير جائز ، لأن الاستنجاء عنده غير واجب ، فكيف يكون أصلا لواجب ، لأن الحرام لا يجوز أن يقنص من أصل حلال ، ولا الحلال من أصل حرام على أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة معدول عن حكم النجاسة فلم يجز أن يقاس عليه غيره وكيف قدره  
أبو حنيفة   بالدرهم ، وقد يختلف على اختلاف الناس في خلقتهم ، وأما ما استدل به  
مالك   من الخبر ففيه جوابان :  
أحدهما : أنه وإن لم يقض الصلاة في الحال فيجوز أن يكون قضاها بعد زمان ، لأن تعجيل القضاء على الفور ليس بواجب .  
والثاني : أنه لم يعد ، لأنه لم يعلم النجاسة إلا بعد فراغه من الصلاة ، والإعادة عندنا في مثله غير واجبة في أحد القولين ، ثم أفسد مذهبه بما ذكره  
المزني   من أن لا يعدو من صلى بنجاسته من أن يكون مؤديا فرضه ، أو غير مؤد وليس ذهاب الوقت بمزيل عنه فرضا لم يؤده ، ولا إمكان الوقت بموجب عليه إعادة فرض قد أداه .  
والضرب الثاني :  
من النجاسة ما عفي عن قليله ، ولم يعف عن كثيره  ، وذلك مثل دم البراغيث ، وماء القروح ، والبثور ، والمدة إذا لم يختلط كل ذلك بدم ، لأن في التحرز من قليل ذلك مشقة غالبة ، فأما سائر الدماء سوى دم البراغيث ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا : أحدها كالأبوال لا يعفى عن قليلها وكثيرها لدفع المشقة في التحرز منها .   
[ ص: 243 ] والوجه الثاني : كدم البراغيث يعفى عن قليلها دون كثيرها .  
والوجه الثالث : وهو قول  
أبي العباس   ، وكأنه أصح : يعفى عن قليل دم الإنسان من فصاده ، أو حجامه ، أو رعافه ، أو جرحه ، ولا يعفى عن دم غيره من بهيمة ، أو آدمي ، فأما الفرق بين قليل ذلك وكثيره فلا حد له إلا ما يتعارفه الناس من القليل ، والكثير ، وقد قال  
الشافعي   في موضع من " المبسوط " : إذا كان ماء القروح لمعة وجب إزالته .  
وقال في القديم : إذا كان كقدر الكف وجبت إزالته ، وليس ذلك مختلفا بل هو تقريب على معنى الفرق والعادة ، فإن فحش وجبت إزالته ، وإن قل عفي عنه .