الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو حلب من امرأة لبن كثير ففرق ثم أوجر منه صبي مرتين أو ثلاثة لم يكن إلا رضعة واحدة وليس كاللبن يحدث في الثدي كلما خرج منه شيء حدث غيره " . قال الماوردي : وجملة ذلك أن للمرأة إذا حلب لبنها وشربه الولد أربعة أحوال : أحدها : أن يحلب لبنها مرة واحدة ويشربه المولود في مرة واحدة فهذه رضعة واحدة ، سواء قل اللبن أو كثر . والحال الثانية : أن يحلب لبنها خمس مرات في خمس أواني ويشربه في خمس مرات فهذه خمس رضعات لوجود العدد من الجهتين . والحال الثالثة : أن يحلب لبنها مرة واحدة في إناء واحد ، ويشربه المولود في خمس مرات ، فالذي نقله المزني في مختصره وجامعه ونقله الربيع في كتاب الأم أنها رضعة واحدة اعتبارا بفعل المرضعة ، قال الربيع : وفيه قول آخر أنها خمس رضعات اعتبارا بشرب المرتضع ، واختلف في تخريج الربيع ، هل هو قول ثان للشافعي أو هو وجه قاله مذهبا لنفسه ، فكان أبو إسحاق المروزي ، وأبو علي بن أبي هريرة يجعلانه وجها قاله مذهبا لنفسه ، وكان أبو حامد المروزي وجميع البصريين يخرجونه قولا ثانيا للشافعي ، فإذا قيل بالقول المشهور : إنه يكون رضعة واحدة اعتبارا بفعل المرضعة فوجهه قول الله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم [ النساء : 23 ] فأضاف فعل الرضاع إليهن فاقتضى أن يكون فعلهن فيه أغلب ، وهو المعتبر في الحكم ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة في سالم : أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن عليك فاعتبر فعلها ، وإذا قيل [ ص: 379 ] بالثاني ، وهو تخريج الربيع : أنه يكون خمس رضعات اعتبارا بشرب المرتضع فوجهه أن جهته أقوى من جهة المرضعة لوقوع التحريم بوصول اللبن إليه لا بانفصاله عنها ؛ ولأن الحالف لا يأكل إلا مرة إذا جمع له الطعام فأكله مرارا حنث اعتبارا بأكله لا يجمعه كذلك الرضاع . والحال الرابعة : أن يحلب لبنها خمس مرات في خمسة أواني ، ويشربه مرة واحدة ، ففيه ما ذكرنا من القولين أحدهما : يكون خمس رضعات اعتبارا بفعل المرضع . " والقول الثاني : أن يكون رضعة واحدة اعتبارا بشرب المرتضع . وأما إذا حلب خمس مرات في خمس أواني ، ثم جمع في إناء وشربه المرتضع في خمس مرات ، فالصحيح الذي عليه جمهور أصحابنا أنه يكون بخمس رضعات اعتبارا بوجود العدد في الانفصال والاتصال . وقال بعض أصحابنا : يعتبر بعد الاجتماع كالحلبة الواحدة يشربها المرتضع خمس مرات فيكون على القولين ، وهذا فاسد ؛ لأنه بعد الاجتماع فيه صار شاربا في كل مرة من كل حلبة فلم يؤثر فيه الاجتماع بعد وجود التفرقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية