الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وشهادة النساء جائزة فيما لا يحل للرجال من غير ذوي المحارم أن يتعمدوا النظر إليه لغير شهادة ؛ من ولادة المرأة وعيوبها التي تحت ثيابها ، والرضاع عندي مثله لا يحل لغير ذي محرم أو زوج أن يتعمد أن ينظر إلى ثديها ، ولا يمكنه أن يشهد على رضاعها بغير رؤية ثدييها " . قال الماوردي : يجوز أن تقبل شهادة النساء منفردات في أربعة مواضع : الولادة والاستهلال ، والرضاع ، وعيوب النساء التي تحت الثياب ، وهو قول الجمهور . وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى : لا تقبل شهادتهن إلا في الولادة وحدها ، استدلالا بأن الرضاع يجوز أن يطلع عليه الرجال من ذوي الأرحام ، فلم يقبل فيه النساء على الانفراد كالذي يجوز أن يطلع عليه الرجال الأجانب . ودليلنا هو أن ما كان من عورات النساء ، وكن فيه على استتار وصيانة جاز أن يشهد به النساء منفردات كالولادة ، وخالف الزنا لأنهن هتكن فيه العورة فلم تقبل فيه إلا الرجال . وهذه المسألة تستوفى في كتاب الشهادات ، فإن شهد الرجال بذلك نظر ، فإن كان من غير تعمد للنظر فهم على العدالة وشهادتهم مقبولة ، وإن تعمدوا النظر لغير الشهادة كانوا فسقة لا تقبل شهادتهم ، وإن تعمدوا النظر لإقامة الشهادة ففي قبول شهادتهم لأصحابنا ثلاثة أوجه : أحدها : وهو قول أبي سعيد الإصطخري : إنهم فسقة لا تقبل شهادتهم ، لأنهم تعمدوا النظر إلى عورة محرمة عليهم . والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : إنهم على العدالة وشهادتهم مقبولة لما في النظر من الأحكام التي يلزم حفظها في حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين . والوجه الثالث : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : إنهم يقبلون في الزنا ولا يقبلون [ ص: 402 ] فيما عداه ، لأن الزاني قد هتك حرمة نفسه فجاز النظر إليه لإقامة حد الله تعالى عليه ، وخالف حكم من كان على ستره وصيانته .

التالي السابق


الخدمات العلمية