الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو كانت هي المدعية أفتيته أن يتقي الله ويدع نكاحها بطلقة لتحل بها لغيره إن كانت كاذبة وأحلفه لها فإن نكل حلفت وفرقت بينهما " . قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا ادعت الزوجة بالرضاع لم يخل حال الزوج معها من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يصدقها فيفسخ النكاح بتصديقه ويسقط المهر المسمى بدعواها وتحل للأزواج بعد عدتها . والحال الثانية : أن يكذبها فلا يقبل دعواها عليه ويحلف لها الزوج ، ويكونان على النكاح وفي صفة يمينه وجهان : أحدهما : أنها على العلم كيمين الزوجة إذا أنكرت الرضاع . والثاني : على البت والقطع . والفرق بين يمين الزوج ويمين الزوجة ، وإن كانتا على نفي فعل الغير أن في يمين الزوج مع تصحيح العقد فيما مضى إثبات استباحة في المستقبل فكانت على البت تغليظا ، ويمين الزوجة لبقاء حق وجب بالعقد فكانت على العلم تحقيقا ، فإن كان نكل الزوج عنها ردت على الزوجة ، وحلفت على البت ؛ لأنها يمين إثبات فكانت على البت . والحال الثالثة : أن يسكت فلا يقع في نفسه صدقها ولا كذبها ففي جواز إحلافه وجهان بناء على الوجهين في صفة يمينه . أحدهما : يجوز أن يحلف إذا قيل إن يمينه على نفي العلم ، وله أن يستمتع بها حكما ويختار أن يفارقها ورعا . [ ص: 409 ] والوجه الثاني : ليس له أن يحلف إذا قيل : إن يمينه على البت ، ويكون بالخيار بين أمرين : إما أن يرد عليها اليمين فإذا حلفت فسخ النكاح بينهما ، وإما أن يطلقها واحدة لتحل لغيره من الأزواج ، وهو معنى قول الشافعي : وأفتيته أن يتقي الله ويدع نكاحها بطلقة وهذا أولى الأمرين ، لأنها تستبيح الأزواج بيقين متفق عليه ، لأنها إن كانت في دعوى الرضاع صادقة فالنكاح مفسوخ ، والطلاق وإن لم يقع فليس بضار ، وإن كانت كاذبة حلت بالطلاق للأزواج ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية