الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفي ما وصفت " . قال الماوردي : أما الأدم فمن المعروف المألوف ، لأن الطعام لا ينساغ أكله في الأغلب إلا به ، فأوجبناه لها عرفا ، وإذا كان أدمها مستحقا فقد جعله الشافعي دهنا ، وهذا خارج منه على عرف البلاد التي يتأدم أهلها بالدهن ، ومن البلاد ما يتأدم أهلها باللحم فيكون أدمها لحما ، ومنها ما يتأدم أهلها بالسمك فيكون أدمها سمكا ، ومنها ما يتأدم أهلها باللبن فيكون أدمها لبنا ، ونحن نصف ما ذكره الشافعي من إدام الدهن ، ويكون ما عداه بقياسه ؛ فالبلاد التي يتأدم أهلها بالدهن يختلف جنسه باختلاف عرف البلاد . فإدام أهل الحجاز السمن ، وإدام أهل الشام الزيت ، وإدام أهل العراق الشيرج ، فيعتبر جنسه بعرف البلد من سمن أو زيت أو شيرج ، فأما مقداره فمعتبر بالعرف المستعمل . فيقال كم يكفي إدام كل مد طعام من الدهن . فإذا قيل كل مد يكتفى في إدامه بأوقية من دهن جعلت ذلك قدرا مستحقا في إدام ، فإن كان موسرا تجب عليه في نفقتها مدان من حب وجبت عليه لإدامها أوقيتان من دهن ، وإن كان متوسطا تجب عليه مد ونصف ، وجب لإدامها أوقية ونصف ، وإن كان مقترا وجب عليه مد وجب لإدامه أوقية ، وكذلك إدام خادمها تعتبر بقوته من الحب . فإن كان له مد وثلث من الحب ، كان له أوقية وثلث من الدهن ، وإن كان له مد من الحب كان له أوقية من الدهن ، ثم [ ص: 428 ] يراعى بعد الدهن حالهم فيما عداه ، فإن كان لهم باللحم عادة اعتبرتها فيهم ، فإن كانوا يأكلون اللحم في كل أسبوع مرة ، أوجبته لها في كل أسبوع مرة واحدة ، والأولى أن يكون في يوم الجمعة ، لأنه عرف من لا يأكل اللحم إلا مرة ، وإن كانوا يأكلونه في كل أسبوع مرتين أوجبته لها مرتين : إحداهما في يوم الجمعة ، والأخرى في يوم الثلاثاء ؛ لأنه عرف من يأكله مرتين ، وعلى هذا العبرة في العرف المعتبر فيه ، فأما مقدار اللحم الذي تستحقه فقد قدره الشافعي برطل واحد في اليوم الذي تستحقه فيه ، وليس هذا المقدار عاما في جميع الناس ، وإنما اعتبر الشافعي عرف بلاده بالحجاز ومصر ، وأما في البلاد التي جرت عادة أهلها أن يتأدم الواحد منهم في اليوم بأكثر من رطل من اللحم فقدره معتبر بعرفهم في الزيادة والنقصان . فإن قيل فلم جعلتم الحب مقدرا لا يعتبر بالعرف وجعلتم الدهن واللحم معتبرا بالعرف ؟ قيل : لأن الحب يقدر بالشرع لسقوط اعتبار العرف فيه والأدم لم يتقدر إلا بالعرف فوجب اعتباره فيه ، وما اعتبرناه من عرف الأزواج في إدامها اعتبرنا عرف الخدم في إدام خادمها .

التالي السابق


الخدمات العلمية