الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 443 ] [ القول في نفقة الزوجة الصائمة ] فصل : وأما صومها فينقسم خمسة أقسام : أحدها : صوم شهر رمضان ؛ فهذا من الفروض المشروعة ، فإذا تعين عليها كان مستثنى من حقوق الزوج فكانت فيه على حقها من النفقة . والقسم الثاني : قضاء رمضان . فزمانه ما بين رمضانها الذي أفطرته ورمضانها الذي تستقبله ، فإن كان في آخر زمانه وعند تعيين وقته لم يكن له منعها منه ، وكانت على حقها من النفقة لصومها في رمضان ، وإن كان في أول زمانه وقبل تعين وقته فله منعها من تقديمه ؛ لأن حقه في الاستمتاع بها على الفور وهذا الصوم على التراخي ، فإن دخلت فيه ففي جواز إجباره لها على الفطر وجهان : مخرجان من اختلاف قوليه في إجبارها على إحلالها من الحج : أحدهما : له أن يجبرها على الفطر ، فعلى هذا إن أفطرت كانت على حقها من النفقة ، وإن امتنعت سقطت نفقتها بعد الامتناع كالناشز . والوجه الثاني : ليس له إجبارها على الفطر تغليبا لحرمة العبادة ، فعلى هذا في سقوط نفقتها وجهان : أحدهما : تسقط به نفقتها كالحج . والوجه الثاني : لا تسقط به النفقة لأمرين مما فرق بين الصوم والحج . أحدهما : لقرب زمانه وقدرته على الاستمتاع بها في ليله . والثاني : لمقامها في منزله فخالف الحج في خروجها منه . والقسم الثالث : صوم التطوع فله منعها منه لرواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه لأن صومها يمنع مما استحقه الزوج من الاستمتاع بها فصارت مانعة من واجب بتطوع ، فإن صامت ولم يدعها الزوج إلى الخروج منه بالاستمتاع فهي على حقها من النفقة ، وإن دعاها إلى الخروج منه فإن خرجت منه بالاستمتاع كانت على حقها من النفقة ، وإن امتنعت صارت ناشزا وسقطت نفقتها إن كان في صدر النهار وكانت على حقها من النفقة إن كان الامتناع في آخره ، لقربه من زمان التمكين فصار ملحقا بوقت الأكل والطهارة . والقسم الرابع : صوم الكفارة . فهو في الذمة غير معين الوقت ؛ فله منعها قبل الدخول فيه ، فإن دخلت فيه بعد منعه صارت ناشزا وسقطت نفقتها ، وإن لم يمنعها منه حتى دخلت فيه ففي إجباره لها على الخروج منه ما قدمناه من الوجهين : أحدهما : له إجبارها وتسقط نفقتها إن أقامت عليه . [ ص: 444 ] والوجه الثاني : ليس له إجبارها . فعلى هذا ينظر . فإن كان التتابع فيه مستحقا بطلت به نفقتها ، وإن لم يكن مستحق التتابع ففي سقوط نفقتها به وجهان : أحدهما : تسقط في أيام الصوم كالمتتابع . والثاني : لا تسقط لقوته ، وهذان الوجهان من اختلاف وجهي أصحابنا في نفقة الأمة على زوجها إذا مكن منها ليلا ومنع منها نهارا : هل تجب نفقتها أم لا ؟ على وجهين . والقسم الخامس : صوم النذر ، وهو على ضربين : أحدهما : أن يكون في الذمة غير معين الزمن فهو كصوم الكفارة على ما قدمناه . والضرب الثاني : أن يكون معين الزمان ، فلها فيه حالتان : إحداهما : أن يتقدم عقد نذرها على عقد نكاحها فلا يمنع صومه من وجوب نفقتها : لأنه قد صار بالتقديم مستثنى من العقد كالذي استثناه الشرع . والحالة الثانية : أن يكون نذرها بعد عقد النكاح ، فلا يخلو أن يكون معقودا بإذن الزوج أو بغير إذنه ، فإن كان معقودا بإذنه لم يكن له منعها وكانت على حقها من النفقة ؛ لأن في إذنه تركا لحقه ، وإن كان بغير إذنه فله منعها وتسقط به نفقتها لتقدم حقه على نذرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية