الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الأمة إذا زوجها سيدها فهي مخالفة للحرة في التمكين ؛ لأن الحرة يلزمها تمكين الزوج من نفسها ليلا ونهارا ، والأمة يلزم السيد أن يمكن زوجها منها ليلا ولا يلزمه تمكينه منها نهارا . والفرق بينهما : أن الأمة مملوكة الاستخدام في حق السيد ، ومملوكة الاستمتاع في حق الزوج فلم يسقط أحد الحقين بالآخر مع تغايرهما وتميز زمانهما ، والاستخدام أخص بالنهار من الليل فاختص به السيد فلم يلزمه تسليمها بالنهار ، والليل أخص [ ص: 446 ] بالاستمتاع من النهار فاختص به الزوج ولزم السيد تسليمها فيه ، والحرة بخلافها : لأنه لم يشارك الزوج مستحق للخدمة فلذلك وجب عليها تسليم نفسها ليلا ونهارا . فإن قيل : فهي مالكة لخدمة نفسها فهلا استحقت منع الزوج من نفسها في زمان الخدمة وهو النهار كالأمة ؟ قيل : لأن الخدمة غير مملوكة عليها ، فصار فى تزويجها تفويت لحقها من الخدمة ، فخالفت الأمة التي قد ملك منها الخدمة ، فإن قيل : فإن كانت الحرة قد أجرت نفسها للخدمة ثم تزوجت أيكون نهار الخدمة خارجا من استمتاع الزوج ويختص استمتاعه بالليل دون النهار _ قيل : نعم ، ولو رامت الزوجة أن تؤجر نفسها بعد التزويج لم يجز لها : لأنها قبل التزويج مملوكة الاستخدام وهي بعد التزويج مفوتة لحقها منه ، وإذا تقدمت الإجارة وكان الزوج عالما بها فلا خيار له ، وإن لم يكن عالما فله الخيار بين قيامه على النكاح وبين فسخه : لأن تفويت الاستمتاع في النهار عيب فاستحق به الفسخ ، فلو مكن المستأجر من الاستمتاع بها في النهار لم يسقط حقه من الخيار ؛ لأن المستأجر متطوع بالتمكين فلم يسقط بتطوعه خيار مستحق ، فإذا ثبت أن التمكين من الأمة مستحق في الليل دون النهار بخلاف الحرة ما لم تتقدم إجارتها فللسيد حالتان : إحداهما : أن يمكنه منها ليلا ونهارا فيلزمه نفقتها لكمال استمتاعه بها . والحال الثانية : أن يمكنه منها ليلا في زمان الاستمتاع ويمنعه منها نهارا في زمان الاستخدام . فلا خيار للزوج في فسخ نكاحها إذا كان عالما برقها : لأنه حكم مستقر في نكاح الأمة ، وفي نفقتها وجهان : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي وجمهور أصحابنا : أنه لا نفقة عليه لقصور استمتاعه عن حال الكمال . والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة والأظهر عندي : أن عليه من نفقتها بقسطه من زمان الاستمتاع وهو أن يكون على الزوج عشاؤها وعلى السيد غداؤها لأن العشاء يراد لزمان الليل والغداء يراد لزمان النهار ، وعليه من الكسوة ما تتدثر به ليلا وعلى السيد منه ما تلبسه نهارا ، وإنما تقسط النفقة عليه ولم تسقط عنه مع وجود الاستمتاع لئلا يخلو استمتاع بزوجة من استحقاق نفقة . كالحرة إذا مكنت في يوم ونشزت في يوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية