الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في المدة التي يؤجل فيها الزوج للإعسار ] . مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن لم يجد لم يؤجل أكثر من ثلاث " . قال الماوردي : لا يخلو حال من أعوزته النفقة من ثمانية أقسام : أحدها : أن يكون لشروعه في عمل لم يستكمله ويقدر بعد استكماله على النفقة كالنساج الذي ينسج في كل أسبوع ثوبا فإذا نسجه كانت أجرته نفقة أسبوعه فلا خيار لزوجة هذا : لأنه في حكم الواجد لنفقتها ، وإن تأخرت ، وينفق من الاستدانة لإمكان القضاء . والقسم الثاني : أن يكون لتعذر العمل ؛ كالصناع بأبدانهم من نجار وبناء وحمال إذا عمل في يومه كسب قدر نفقته فيعذر عليه من يستعمله في صنعته ، فينظر ؛ فإن كان تعذره عليه نادرا لم يكن لزوجته خيار ، وإن كان غالبا فلها الخيار . والقسم الثالث : أن يكون لعجز عن التصرف كالصانع إذا مرض فلم يقدر على العمل ، فينظر في مرضه ، فإن كان مرجو الزوال بعد يوم أو يومين فلا خيار لها ، وإن كان بعيد الزوال فلها الخيار . والقسم الرابع : أن يكون لدين له على غريم لا يملك سواه وقد ألظ به الغريم ومطله فينظر في الغريم ؛ فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يكون معسرا فالدين عليه تائه ومالكه معدم ، فيكون لزوجته الخيار . والحال الثانية : أن يكون على موسر حاضر ، فمالك الدين موسر به ولا خيار لزوجته ويحبس الغريم حتى يؤدي دينه ، وتكون الزوجة في حكم من زوجها موسر وقد منعها النفقة فيسقط الخيار ويحبس زوجها على نفقتها ، ذلك هاهنا يسقط الخيار ويحبس الغريم دون الزوج . [ ص: 459 ] والحال الثالثة : أن يكون الدين على موسر غائب ففي خيارها وجهان من اختلاف أصحابنا في زوجة الموسر الغائب . والقسم الخامس : أن يكون له مال هو غائب عنه ينتظر قدومه عليه لينفق منه ، فينظر في غيبة المال ؛ فإن كان على مسافة قريبة لا تقصر في مثلها الصلاة فلا خيار لها : لأن ماله في حكم الحاضر ويؤخذ بتعجيل نقله ، وإن كان بعيد المسافة على أكثر من يوم وليلة فهو في حكم التائه ومالكه كالمعدم فيكون لها الخيار . والقسم السادس : أن يكون مالكا لمال حاضر قد استحق عليه في ديونه فلا خيار لها قبل قضاء الديون ؛ أنه له أن ينفق منه قبل قضاء الديون ، والمستحق في قضائه ما فضل عن قوت يومه وليلته ، فإذا قضى دينه صار بعد يومه معسرا . والقسم السابع : أن يعجز عن حلال الكسب ويقدر على محظوره . فهذا على ضربين : أحدهما : أن تكون أعيانا محرمة كأموال السرقة والتطفيف وأثمان الخمور والخنازير ، فالواجد لها كالعادم لحظر تصرفه فيه فيكون لزوجته الخيار بالإعسار . والضرب الثاني : أن يكون الفعل الموصل إليه محظورا كصناع الملاهي المحظورة لأنه مستعمل في محظور لا يستحق به ما سمي له من الأجرة ، ولا بد أن يستحق لتفويت عمله أجرا فيصير به موسرا ، ولا يكون لزوجته خيار ، وكذلك كسب المنجم والكاهن قد يتوصل إليه بسبب محظور لكنه قد أعطي عنه عن طيب نفس المعطي فأجري مجرى الهبة ، وإن كان محظور السبب ، فساغ له إنفاقه وخرج به من حكم المعسرين وسقط به خيار زوجته . والقسم الثامن : أن يكون عجزه عن النفقة لعدم لا يقدر على النفقة من ملك ولا كسب ، فهذا هو المعسر على الإطلاق وهو الذي تستحق زوجته الخيار .

التالي السابق


الخدمات العلمية