الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : وإذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم قتل من كل صنف مكافئ دمه منهم الذكر قتل بالذكر وبالأنثى ، والأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر .

قال الماوردي : والمكافأة معتبرة في وجوب القصاص على تفصيل أقسامها ، وهي منقسمة ثلاثة أقسام : مكافأة في الأجناس ، ومكافأة في الأنساب ، ومكافأة في الأحكام .

فأما مكافأة الأجناس : فهو الذكور بالذكور والإناث بالإناث : فهو غير معتبر عند الفقهاء بأسرهم ، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين فيجوز أن يقتل الذكر بالذكر وبالأنثى ، وتقتل الأنثى بالأنثى وبالذكر .

وحكى الحسن البصري عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - أنه قال : لا يقتل الذكر بالأنثى إلا أن يؤخذ منها نصف الدية ثم يقتل بها .

[ ص: 9 ] وبه قال عطاء استدلالا بقول الله تعالى : كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى [ البقرة : 178 ] فلما لم يتكافأ الأحرار والعبيد لم يتكافأ الذكور والإناث : ولأن تفاضل الديات تمنع من التماثل في القصاص كما يمنع تفاضل القيم في المتلفات من التساوي في الغرم .

ودليلنا قول الله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [ المائدة : 45 ] فعم من غير تخصيص .

وروى أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض ، والسنن ، وأنفذه مع عمرو بن حزم ، وكان فيه يقتل الذكر بالأنثى وهذا نص .

وروى قتادة عن أنس بن مالك أن يهوديا مر بجارية عليها حلي لها ، فأخذ حليها ، وألقاها في بئر فأخرجت وبها رمق ، فقيل : من قتلك ؟ قالت : فلاناليهودي ، فانطلق به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعترف فأمر به فقتل .

ولأن الأحكام ضربان : ضرب تعلق بحرمة كالحدود فيستوي فيه الرجل والمرأة ، وضرب تعلق بالمال كالميراث : فتكون المرأة فيه على النصف من الرجل والقود متعلق بالحرمة فاستوت فيه المرأة والرجل .

والدية متعلقة بالمال فكانت المرأة فيه على النصف من الرجل .

ولأن القصاص إن وجب فبذل المال معه لا يجب وإن لم يجب القصاص فبذل المال لا يجب .

فأما قوله : والأنثى بالأنثى فليس يمنع قتل الأنثى بالأنثى من قتل الذكر بالأنثى : لأن الحكم المعلق بعين لا يقتضي نفيه عما عداها .

وأما اختلاف الديات فلا يمنع من التماثل في القصاص كتفاضل الديات بين أهل الكتاب والمجوس وهم متساوون في القصاص .

التالي السابق


الخدمات العلمية