الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : وفيه قيمته وإن بلغت ديات . قال المزني ، رحمه الله تعالى : وفي إجماعهم أن يده لا تقطع بيد العبد قضاء على أن الحر لا يقتل بالعبد فإذا منع أن يقتص من يده وهي أقل لفضل الحرية على العبودية كانت النفس أعظم وهي أن تقتص بنفس العبد أبعد .

[ ص: 20 ] قال الماوردي : وهذا كما قال إذا قتل العبد بجناية أو مات في يدها منه ففيه قيمة ما بلغت ، وإن زادت على دية الحر ضعافا ، وهو قول جمهور أهل الحجاز ، وبه قال من العراقيين سفيان الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق .

وقال أبو حنيفة ومحمد : يضمن في اليد جميع قيمته ما بلغت ، ويضمن في الجناية بقيمته إلا أن تبلغ دية حر أو تزيد عليها فتنقص عن دية الحر عشر دراهم حتى لا يساويه في ديته .

وإن كانت أمة قد زادت قيمتها على نصف الدية نقصت عنها عشرة دراهم .

وقيل : خمسة دراهم : لئلا تساوي دية الحر استدلالا بأنه آدمي مضمون بالجناية فلم يضمن بأكثر من دية حر كالحر ، ولأنه يضمن بالجناية ضمان النفوس لوجوب الكفارة فيه ، فوجب أن يضمن بمقدر كالأطراف ، ولأن نقصه بالرق يمنع من كمال بدله كالناقص القيمة ، وهو معنى قول أبي حنيفة : لا أوجب في المملوك مما أوجب في المالك .

ودليلنا قول الله تعالى : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [ البقرة : 194 ] والمثل في الشرع مثلان : مثل يفي الصورة ، ومثل في القيمة فإذا لم يعتبر المثل في الصورة اعتبر في القيمة ما بلغت ، ولأن حرمة الآدمي أغلظ من حرمة البهيمة ، ثم كانت البهيمة مضمونة بجميع قيمتها فكان أولى أن يضمن العبد بجميع قيمته .

وتحريره قياسا بأحد معنيين : أن تقول في أحدهما : إنه مملوك مضمون فوجب أن لا تقدر قيمته كالبهيمة .

والثاني : أن ما لم يتقدر أقل قيمته لم تتقدر أكثرها كالبهيمة ، ولأن ضمان العبد بالجناية أغلظ من ضمانه باليد ، ثم كان في اليد مضمونا بجميع قيمته فكان أولى أن يضمن في الجناية بجميع قيمته .

ويتحرر منه قياسان :

أحدهما : أنه أحد نوعي الضمان فوجب أن يستوفي به قيمة المضمون كالضمان باليد .

والثاني : أن ما ضمنت قيمته باليد ضمنت قيمته بالجناية كالناقص القيمة ، ولأن العبد متردد الحال بين أصلين :

أحدهما : الحر لأنه آدمي مكلف يجب في قتله القود والكفارة .

[ ص: 21 ] والثاني : البهيمة لأنه مملوك يباع ويوهب ويورث وهو في القيمة ملحق بأحد أصلين .

فلما ألحق بالبهيمة في ثلاثة أحوال :

أحدها : إذا قلت قيمته .

والثانية : إذا ضمن باليد .

والثالثة : إذا ضمنه أحد الشريكين بالعتق .

- وجب أن يلحق بالبهيمة في الحال الرابعة وهو إذا أرادت قيمته في ضمانه بالجناية : لأنه لا يجوز أن يلحق بالبهيمة في أقلها ، ويلحق بالحر في أكثرها ، ولأنهم لا يلحقونه بالحر في أكثرها حتى ينقصوا من قيمته عشرة ، فلم يسلم لهم أحد الأصلين .

فأما الجواب عن قياسهم على الحر ، فهم لا يساوونه بالحر لما يعتبرونه من نقصان قيمته عن دية الحر . فهذا جواب .

وجواب ثان أنه لما لم يلحق بالحر في ضمانه باليد لم يلحق في ضمانه بالجناية ، ولما امتنع أن يلحق به إذا نقصت قيمته امتنع أن يلحق به إذا زادت .

وقياسهم على ضمان أطرافه فأطرافه معتبرة بقيمته ، وقيمته غير مقدرة ، فلم تتقدر بها أطرافه ، وقولهم : إنه ناقص بالرق فلم يساو الحر في ديته فاسد من وجهين :

أحدهما : أنهم جعلوه كاملا في القصاص وناقصا في الدية وهذا تناقض .

والثاني : أنه لما لم يمنع نقصه في ضمانه باليد من الزيادة على دية الحر لم يمنع من ذلك في ضمانه بالجناية .

التالي السابق


الخدمات العلمية