الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : ولو قطع يد نصراني فأسلم ثم مات لم يكن قود لأن الجناية كانت وهو ممن لا قود فيه وعليه دية مسلم ولا يشبه المرتد لأن قطعه مباح كالحد ، والنصراني يده ممنوعة .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا قطع مسلم يد نصراني فأسلم ثم سرى القطع إلى نفسه فمات لم يجب فيه القود ووجب فيه دية مسلم ، اعتبارا في القود بحال الجناية وفي الدية باستقرار السراية ، وإنما اعتبر في القود بحالة الجناية لأمرين :

أحدهما : أنه لما كان النصراني لو قطع يد نصراني ، ثم أسلم القاطع ومات [ ص: 53 ] المقطوع ، لم يسقط القود عن القاطع بإسلامه اعتبارا بوجوبه حال الجناية ، ووجب إذا انعكس في المسلم إذا قطع يد نصراني ثم أسلم المقطوع أن لا يجب على القاطع القود ، اعتبارا بسقوطه عنه حال الجناية .

والثاني : أنه لما صح في هذه الجناية إسقاط بالكفر عند الجناية ، وإيجاب بالإسلام عند السراية ، وجب أن يغلب حكم الإسقاط على حكم الإيجاب ، لأنه يصح فيه إسقاط ما وجب ، ولا يصح فيه إيجاب ما سقط ، واعتبرنا في الدية استقرارها بعد السراية لأمرين :

أحدهما : أنه لما اعتبرنا استقرار السراية فيما زاد في الموضحة إذا صارت نفسا في إيجاب الدية الكاملة بعد أن وجب نصف عشرها ، وفيما نقص بقطع اليدين والرجلين إذا سرت إلى النفس في إيجاب دية واحدة بعد وجوب ديتين وجب أن يكون بمثابتهما ما حدث من زيادة الدية بالإسلام .

والثاني : أن حدوث الزيادة في المضمون ملتزمة كزيادة المغصوب ، فلما ذكرنا من هذين وقع الفرق في اعتبار القود بحال الجناية واعتبار الدية بعد استقرارها بالسراية ، وهكذا لو جرح الحر عبدا فأعتق ثم مات لم يجب عليه القود : لأنه جرحه وهو عبد ، ووجبت عليه دية حر لاستقرارها فيه وهو حر .

التالي السابق


الخدمات العلمية