الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : ولو فقأ عيني عبد قيمته مائتان من الإبل فأعتق فمات لم يكن فيه إلا دية لأن الجناية تنقص بموته حرا وكانت الدية لسيده دون ورثته ( قال المزني ) رحمه الله : القياس عندي أن السيد قد ملك قيمة العبد وهو عبد فلا ينقص ما وجب له بالعتق .

قال الماوردي : وأصل هذا أن كل ما وجب في الحر منه دية وجب في العبد منه قيمة ، وما وجب في الحر منه نصف الدية كان في العبد منه نصف القيمة : وما وجب في الحر منه حكومة كان في العبد ما نقص من قيمته ، ويجتمع في العبد قيم كما تجتمع في الحريات ، فإن سرت الجناية إلى النفس لم يجب فيها أكثر من قيمة في العبد ، ودية في الحر .

فإذا استقر هذا الأصل فصورة مسألتنا : في حر فقأ عيني عبد قيمته ديتان قدرهما الشافعي بمائتين من الإبل ، وإن لم يقوم العبد بالإبل ، وذلك بقدرهما بألفي دينار لأنه أشبه بالقيم فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يبقى العبد على رقه حتى تستقر الجناية ، إما بالاندمال أو بالسراية فيجب على الجاني إن اندملت ألفا دينار ، وإن سرت إلى النفس فمات ألفا دينار أيضا ، ويستوي حكم الجناية في الاندمال أو السراية ، لأن الواجب فيهما قيمة كاملة ، ولو فقأ إحدى عينيه وجب فيها نصف قيمته إن اندملت ، وهو ألف دينار ، وإن سرت إلى نفسه وجب فيها جميع قيمته وهو ألفا دينار .

والضرب الثاني : أن يعتقه السيد بعد الجناية عليه فهذا على ضربين :

أحدهما : أن تستقر الجناية بالاندمال فيجب فيها القيمة الكاملة ألفا دينار ، سواء كان العتق قبل الاندمال أو بعده لأن ما اندمل ولم يسر - اعتبر فيه وقت الجناية وكان الاندمال معتبرا في الاستقرار دون الوجوب ، كما لو فقأ عيني نصراني فأسلم ثم اندملت عيناه وجب فيهما دية نصراني ، وإن كان عند الاندمال مسلما . كذلك العبد إذا اندملت عيناه بعد عتقه وجب فيهما قيمته عبدا ، وإن كان عند الاندمال حرا .

والضرب الثاني : أن تسري الجناية إلى نفسه وقد أعتقه السيد قبل موته فيجب فيها دية حر ، وذلك ألف دينار ، لأنها إذا سرت إلى النفس اعتبر بها وقت السراية دون الجناية ، لدخول الأطراف في النفس ، هذا مذهب الشافعي وجمهور أصحابه .

وقال المزني : يجب فيها ألفا دينار اعتبارا بوقت الجناية استدلالا بأمرين :

أحدهما : أن السيد قد ملك بالجناية ألفي دينار هي قيمة عبده ، والعتق الذي هو قربة إن لم يزده خيرا لم يزده شرا .

[ ص: 60 ] والثاني : أن الاندمال غاية كالسراية ، ثم كان الاندمال بعد العتق يقتضي نقص قيمته ، كذلك السراية ، وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : أنه لما اختلف الاندمال والسراية في نقصان القيمة ، وجب أن يختلفا في زيادة القيمة ، قيمته عبدا ، لأنه لو كان قيمته مائة دينار ثم اندملت بعد عتقه وجب فيها مائة دينار ولو سرت إلى نفسه وجب فيها ألف دينار ديته حرا ، كذلك إذا كانت قيمته ألفا دينار وجب فيها إذا اندملت ألفان ، وإذا سرت إلى النفس ألف .

والثاني : أنه لما اختلف الاندمال والسراية في ديات الأطراف حتى لو قطع يديه ورجليه ، وجب في الاندمال ديتان ، وفي السراية دية واحدة ، وجب أن يختلفا في قدر الدية فيجب إذا اندملت ألفا دينار ، وإذا سرت ألف واحد ، وهذا دليل وانفصال ، والخير المستزاد بالعتق هو الثواب ، ونقصان القيمة فيه ليس بشر ، وإنما هو الإبراء والمعونة فصار خيرا أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية