الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - ولو قطع يد عبد وأعتق ثم مات فلا قود إذا كان الجاني حرا مسلما أو نصرانيا حرا أو مستأمنا حرا وعلى الحر الدية كاملة في ماله ، للسيد منها نصف قيمته يوم قطعه والباقي لورثته .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن المعتبر في القصاص حال الجناية ، والمعتبر في [ ص: 61 ] الدية حال الاستقرار ، إما بالاندمال أو بالسراية إلى النفس : لأن المقطوع كان وقت الجناية عبدا ، وعلى القاطع دية حر : لأن المقطوع مات حرا ، وللسيد منها أقل الأمرين من نصف قيمته عبدا : لأنه لم يجب له وقت الجناية أكثر منها ، أو جميع ديته حرا : لأن السراية لم تستقر في أكثر منها .

وقال أبو علي بن أبي هريرة : للسيد أقل الأمرين من نصف قيمته عبدا أو نصف ديته حرا .

وهذا زلل من أبي علي : لأن الجناية من شخص واحد ، ولا يخلو حالها من أحد أربعة أقسام .

إما أن يعتبر بها وقت الجناية فنصف القيمة قلت أو كثرت ، أو يعتبر بها وقت الموت فجميع الدية قلت أو كثرت أو يعتبر بها أكثر الأمرين فلا يجوز ، وهو مردود بالاتفاق ، أو يعتبر بها أقل الأمرين وهو المتفق عليه ، فيجب أن يكون الأقل ما وجب في الابتداء ، وهو نصف القيمة أو بما استقر في الانتهاء ، وهو جميع الدية .

فأما أقل الأمرين من نصف القيمة أو نصف الدية فلا يعتبر إلا في جناية الاثنين ، وهو أن يقطع حر يده قبل العتق ويقطع آخر يده الأخرى بعد العتق ، ثم يموت فتكون عليهما دية حر بينهما نصفين ، وللسيد منها أقل الأمرين من نصف قيمته ، أو نصف ديته : لأنهما جنايتان ، أحدهما في الرق يختص بها السيد ، والأخرى في الحرية ، يختص بها الورثة .

فأما الجاني الواحد فليس للسيد إلا ما قدمناه من أقل الأمرين من نصف قيمته ، أو جميع ديته وإذا كان كذلك لم يخل نصف قيمته من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تكون نصف قيمته أقل من نصف ديته أو مثلها فما دون ، فيستحق السيد نصف قيمته على المذهبين ، ويكون ما بقي من ديته لورثته .

والقسم الثاني : أن يكون نصف قيمته يزيد على نصف ديته ، ولا تزيد على جميعها فيستحق على مذهب الشافعي نصف قيمته لأنه أقل من جميع ديته ، وعلى قول أبي علي بن أبي هريرة يستحق نصف ديته : لأنه أقل من نصف قيمته .

والقسم الثالث : أن يكون نصف قيمته أكثر من جميع ديته ، فيستحق على مذهب الشافعي جميع ديته ، وعلى قول أبي علي بن أبي هريرة ، يستحق نصف ديته .

فصل : ويتفرع على هذه المسألة أن يقطع حر إحدى يدي عبد فيعتق ، ثم يعود الحر الجاني فتقطع إحدى رجليه ، فلا يخلو حال القطعين من أربعة أقسام :

أحدها : أن يندملا .

والثاني : أن يسريا إلى النفس .

[ ص: 62 ] والثالث : أن يندمل الأول ، ويسري الثاني إلى النفس .

والرابع : أن يندمل الثاني ويسري الأول إلى النفس .

فأما القسم الأول : وهو أن يندمل القطعان فالأول منهما لا قود فيه : لأنها جناية حر على عبد ، وفيه نصف قيمته قلت أو كثرت تكون لسيده ، وإن زاد على ديته حرا : لأن اندمالها يوجب استحقاق ما وجب بها وقت الجناية .

وأما القطع الثاني : ففيه القود : لأنها جناية حر على حر ، فإن عفا عنه ففيه نصف ديته حرا تكون له دون سيده فيصير الجاني في هذا القسم ضامنا بالقطع الأول نصف القيمة دون القصاص ، وبالقطع الثاني القصاص ، أو نصف الدية .

وأما القسم الثاني : وهو أن يسري القطعان إلى نفسه فيموت فيها فلا قود على الجاني في النفس لخروجها بسراية قطعين ، لا قصاص في سراية أحدهما فيسقط القصاص في سراية الآخر ، كما لو عفا أحد الوليين سقط القصاص في حقها ، وعلى الجاني دية حر : لاستقرارها بعد السراية في حر ، فإن أراد المولى أن يقتص من القطع الثاني في الحرية ففيه وجهان :

أحدهما : وهو قول ابن سريج لا قصاص له فيه لدخوله بالسراية في نفس لا يستحق فيها قود .

والوجه الثاني : وهو قول الجمهور أنه يستحق فيه القصاص وإن سقط القود في النفس لتمييزها في القطع ، وإن اشتركا في النفس .

فإن قيل بالوجه الأول أنه يسقط القصاص في الطرف لسقوطه في النفس وجب الدية ، وكان للسيد منهما أقل الأمرين من نصف قيمته ، أو نصف ديته وجها واحدا ، بخلافه لو تفرد بالجناية عليه قبل عتقه : لأن نصف الجناية هاهنا في حال الرق ونصفها بعد العتق ، فلم يستحق إلا أقل الأمرين من نصف القيمة أو نصف الدية ، ويكون الباقي للورثة ولعل ابن أبي هريرة خالف في تلك المسألة حملا على هذه والفرق بينهما واضح .

وإن قيل بالوجه الثاني : أنه لا يسقط القصاص في الطرف الثاني ، وإن سقط في النفس فهو مستحق للوارث دون السيد ، فإن اقتص منه فقد استوفى به نصف الدية ، وإن كان ما أخذه السيد من أقل الأمرين هو نصف الدية ، فقد استوفى كل واحد من السيد والوارث حقه ، وإن كان السيد قد أخذ نصف القيمة : لأنه أقل من نصف الدية كان زائدا عليه من نصف الدية راجعا على الوارث : لأنها زيادة حدثت بالحرية .

وأما القسم الثالث : وهو أن يندمل القطع الأول ، ويسري الثاني إلى النفس ، [ ص: 63 ] فعلى الجاني في القطع الأول نصف القيمة قلت أو كثرت لاندمالها في عبد ولا قصاص فيها : لأنها جناية حر على عبد .

وعليه في القطع الثاني القود في المسح لسرايته إليها ، وأنها من حر إلى حر ، فإن عفا عنه فعليه جميع الدية لاستقرارها في نفس حر ، فيصير بالقطعين ملتزما لنصف القيمة وجميع الدية ، يختص السيد بنصف الدية والورثة بجميع الدية .

وأما القسم الرابع : وهو أن يندمل القطع الثاني ، ويسري القطع الأول في النفس ، ففي القطع الثاني نصف الدية وفيه القصاص وجها واحدا ، لاستقرارها من حر على حر .

فأما الأول فقد صار نفسا فلا قصاص فيه : لأنها جناية حر على عبد ، وفيه دية حر لاستقرارها في حر ، يكون للسيد منها الأقل من نصف قيمته أو نصف ديته .

التالي السابق


الخدمات العلمية