الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت وجوب الدية عليهما ، لم تخل جنايتهما من أن تكون على وجه الخطأ أو العمد ، فإن كانت منهما على وجه الخطأ فالدية متحققة على عواقلهما ، وإن كانت على وجه العمد ففي عمدهما قولان :

أحدهما : أنه كالخطأ لعدم قصدهما فتكون الدية مخففة على عواقلهما .

والقول الثاني : أنه كعمد غيرهما ، وإن سقط القصاص عنهما لعدم تكليفهما ، فتجب الدية عليهما مغلظة في أموالهما حالة .

فلو بلغ الصبي بعد صغره ، وأفاق المجنون بعد قتله ، لم يستحق عليها القصاص فيما جناه في الصغر والجنون ، فلو اختلفا بعد البلوغ والإفاقة مع ولي المقتول .

فقال القاتل : قتلت قبل البلوغ فلا قود علي .

وقال الولي : قتلت بعد البلوغ فعليك القود .

فالقول قول القاتل مع يمينه ، لأن الصغر صفة متحققة ، والأصل : أن جنب المؤمن حمى .

ولو قال القاتل : كنت عند القتل مجنونا . وقال الولي : بل كنت مفيقا . فلا يخلو حال القاتل من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن لا يعلم له جنون متقدم فالقول قول الولي ، وعلى القاتل القود : لأن الأصل السلامة .

[ ص: 89 ] والقسم الثاني : أن يعلم جنونه طبقا مستديما فالقول قول القاتل ، ولا قود عليه ، لأنه قد صار فيه أصلا فشابه دعوى الصغر .

والقسم الثالث : أن يعلم منه أنه كان يجن في زمان ، ويفيق في زمان ففيه وجهان :

أحدهما : أن القول فيه قول القاتل مع يمينه لاحتماله وأن جنبه حمى .

والوجه الثاني : أن القول قول الولي مع يمينه ، لأن السلامة أغلب .

التالي السابق


الخدمات العلمية