الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر توجيه القولين كان القود مستحقا على كلا القولين وترتب استحقاق الدية على اختلاف القولين .

فإن قلنا بالقول الأول أن قتل العمد موجب لأحد شيئين إما القود أو الدية فلولي المقتول في الاختيار والعفو سبعة أحوال :

أحدها : أن يختار القود ، فلا يسقط حقه من الدية إلا أن يقتص ، فإن عدل عن القود إلى الدية استحقها ، لأنه قد عدل بها عن الأغلظ إلى الأخف .

[ ص: 98 ] والحال الثانية : أن يختار الدية فيعطاها ، ويسقط حقه من القود لما في العدول إليه من الانتقال عن الأخف إلى الأغلظ .

والحال الثالثة : أن يختار القود والدية فلا يكون لاختياره تأثير ، لأنه لا يستحق الجمع بينهما ولم يعين بالاختيار أحدهما .

والحال الرابعة : أن يعفو عن القود فيتعين حقه في الدية ، ولا يجوز أن ينتقل عنها إلى القود إلا بعد سقوطه بالعفو ، ولأنه انتقال عن الأخف إلى الأغلظ .

والحال الخامسة : أن يعفو عن الدية فله القود ، ولا يكون لعفوه عن الدية تأثير ، وله أن ينتقل من القود إلى الدية ، لأنه انتقال من الأغلظ إلى الأخف .

والحال السادسة : أن يعفو عن القود والدية فيصح عفوه عنهما ولا يستحق بعد العفو واحدا منهما من قود ولا دية .

والحال السابعة : أن يقول قد عفوت عن حقي فيكون عفوا عن القود والدية معا لأنه يستحقهما .

وإن قلنا بالقول الثاني أن قتل العمد موجب للقود وحده ولا تجب الدية إلا بالاختيار بدلا من القود فللولي في اختياره وعفوه سبعة أحوال :

أحدها : أن يختار القود فلا يسقط بهذا الاختيار حقه من اختيار الدية وقت استحقاقها لأنه يستحق اختيارها بعد سقوط حقه من القود ، فصار كالإبراء من الحق قبل وجوبه ، لا يبرئه من ذلك الحق بعد وجوبه ، ولا يتحتم عليه القود بهذا الاختيار ، لأنه حق له وليس بحق عليه فصار هذا الاختيار لا تأثير له .

والحال الثانية : أن يختار الدية فيكون في اختيارها إسقاط لحقه من القود فيحكم له بالدية ويسقط القود .

والحال الثالثة : أن يختار القود والدية فلا يكون لهذا الاختيار تأثير في القود ولا في الدية ، لأنه لا يستحق الجمع بينهما ولم يعين بالاختيار أحدهما فيستوي حكم الاختيار ، وهذه الأحوال الثلاث على القولين معا ، وإنما يفترقان في الأحوال الأربع في العفو .

والحال الرابعة : أن يعفو عن القود فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يختار الدية مع عفوه عن القود ، فيسقط حقه من القود بالعفو وتجب له الدية بالاختيار .

[ ص: 99 ] والضرب الثاني : أن يقتصر على العفو عن القود ، ولا يعله باختيار الدية فيسقط القود بالعفو عنه وفي الدية قولان :

أحدهما : نص عليه في جراح العمد - أن له أن يختار الدية من بعد .

والقول الثاني : ذكره في كتاب " اليمين مع الشاهد " أنه قد سقط حقه من الدية فليس له أن يختارها من بعد .

وأصل هذين القولين في المدعي إذا قام شاهدا وامتنع أن يحلف مع شاهده ، وعرضت اليمين على المنكر فنكل عنها ، فهل ترد على المدعي أم لا ؟ على قولين .

والحال الخامسة : أن يعفو عن الدية فلا يكون لعفوه تأثير في القود ولا في الدية ، لأن القود لم يعف عنه ، والدية لم يستحقها مع بقاء القود ، فلم يصح عفوه عنها .

والحال السادسة : أن يعفو عن القود فيسقط القود بعفوه عنه ، وفي سقوط الدية بعفوه عنهما قولان حكاهما أبو حامد المروزي في " جامعه " .

أحدهما : يصح عفوه عنها لاقترانه بالعفو عن القود .

والقول الثاني : لا يصح العفو عنها ، لأنه لم يقع في وقت الاختيار بعد القود .

فعلى هذا إن اختار الدية في الحال وجبت له ، فإن اختارها بعد ذلك فعلى ما مضى من القولين .

والحال السابعة : أن يعفو عن حقه فيسقط القود ، لأنه يستحقه ولا يسقط الدية ، لأنه لم يستحقها ، فإن عجل اختيارها وجبت له وإن لم يعجله فعلى القولين :

أحدهما : تجب له الدية إن اختارها .

والثاني : لا تجب له وقد سقط حقه منها بتأخير الاختيار والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية