الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
القول في الصلاة في أعطان الإبل ومراح الغنم

مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " والنهي عن الصلاة في أعطان الإبل اختيار لقول النبي صلى الله عليه وسلم فإنها جن من جن خلقت وكما قال حين ناموا عن الصلاة : اخرجوا بنا من هذا الوادي فإن به شيطانا فكره قربه لا لنجاسة الإبل لا موضعا فيه شيطان ، وقد مر بالنبي صلى الله عليه وسلم شيطان فخنقه ، ولم تفسد عليه صلاته ، ومراح الغنم الذي تجوز فيه الصلاة الذي لا بول فيه ، ولا بعر ، والعطن موضع قرب البئر الذي يتنحى إليه الإبل ليرد غيرها الماء لا المراح الذي تبيت فيه " قال الماوردي : وهذا كما قال .

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في أعطان الإبل وأباح الصلاة في مراح الغنم ، فأما العطن ، فهو : موضع يكون قريب البئر تنحى إليه الإبل إذا صدرت من الماء لترد غيرها وأما مراح الغنم فهو : موضع عال يقرب من الغنم يأوي إليه الراعي لحراستها ومنع الوحش منها ، فإن كان العطن والمراح قد نجسا بالبول ، والبعر ، فالصلاة فيها باطلة ، وإن كانا طاهرين فالصلاة جائزة غير أنها في العطن مكروهة ، وفي المراح مباحة .

والدليل على ذلك رواية عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أدركتم الصلاة في مراح الغنم فصلوها ، فإنها سكينة وبركة ، وإذا أدركتم الصلاة في أعطان الإبل فاخرجوا ، ثم صلوا ، فإنها جن من جن خلقت ، ألا ترونها كيف تشمخ بأنفها إذا نفرت " .

[ ص: 270 ] والفرق بينهما من طريق المعنى : من وجوه :

أحدها : أن أعطان الإبل مأوى الشياطين : لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الإبل بها ، وليس مراح الغنم مأوى الشياطين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنها من دواب الجنة .

والثاني : أن الصلاة في الأعطان تعري عن الخشوع لما يخشى المصلي على نفسه من نفور الإبل ، وليس للغنم نفور فيخافه المصلي فيسقط به خضوعه ، ألا تراه صلى الله عليه وسلم شبه قوما بالإبل فذمهم ، وشبه آخرين بالغنم فمدحهم ، وقال : مثل المؤمن مثل الغنم لين مشيها لا تؤذي من جاورها .

والثالث : أن أعطان الإبل ليست على استواء من الأرض بل يرتاد لها الرفع والوسخ والمكان الحزز ، لأنها عليه أصلح ، ولا يرتاد للغنم من الأرض إلا أجلسها تربة وأعلاها بقعة ، وأسواها موضعا ، وألطفها مربعا : لأنها لا تصلح إلا فيه ولا تنجب إلا عليه .

فإن قيل : فإذا ورد النهي عن الصلاة في أعطان الإبل على ما ذكرتم ، فلم جوزتم الصلاة فيها ؟ وهل أوجب النهي بطلان الصلاة فيها ؟ قيل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أعطانها : لأنه شبهها بالشياطين ، وهذا المعنى لا يبطل الصلاة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مر به في صلاة شيطان ولم تفسد صلاته - والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية