الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 271 ] باب الأوقات التي يكره فيها صلاة التطوع ويجوز فيها الفريضة والقضاء والجنازة وغيرها .

قال الشافعي ، رضي الله عنه : " أخبرنا مالك ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة وعن الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ، فإذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات . وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة ، وعن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ( قال الشافعي ) : وبهذا أقول والنهي عن الصلاة في هذه الأوقات عن التطوع إلا يوم الجمعة للتهجير حتى يخرج الإمام ، فأما صلاة فرض ، أو جنازة ، أو مأمور بها موكدة ، وإن لم تكن فرضا أو كان يصليها فأغفلها فتصلى في هذه الأوقات بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : من نسي صلاة ، أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وبأنه عليه السلام رأى قيسا يصلي بعد الصبح فقال : ما هاتان الركعتان ؟ قال ركعتا الفجر فلم ينكره وبأنه عليه السلام صلى ركعتين بعد العصر فسألته عنهما أم سلمة فقال : " فما ركعتان كنت أصليهما فشغلني عنهما الوفد وثبت عنه عليه السلام أنه قال : أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل فأحب فضل الدوام ، وصلى الناس على جنائزهم بعد العصر وبعد الصبح فلا يجوز أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات التي نهى فيها عنها إلا على ما وصفت ، والنهي فيما سوى ذلك ثابت إلا بمكة ، وليس من هذه الأحاديت شيء مختلف . ( قال المزني ) : قلت أنا هذا خلاف قوله فيمن نسي ركعتي الفجر حتى صلى الظهر ، والوتر حتى صلى الصبح أنه لا يعيد والذي قبل هذا أولى بقوله وأشبه عندي بأصله " .

قال الماوردي : وهذا كما قال .

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في خمسة أوقات ، منها : وقتان نهى عن [ ص: 272 ] الصلاة فيهما لأجل فعل الصلاة لا للوقت ، وثلاثة أوقات نهى عن الصلاة فيها لأجل الوقت لا لفعل الصلاة .

فأما الوقتان اللذان نهى عن الصلاة فيهما لأجل فعل الصلاة لا للوقت ، فهما بعد فعل صلاة العصر ، وبعد فعل صلاة الصبح ، وذلك أن وقت العصر إذا دخل فالتنفل فيه جائز ما لم يصل العصر فإذا صلى العصر منع من التنفل بعدها .

والدلالة على النهي عن الصلاة في هذين الوقتين رواية ، بالإسناد المقدم ذكره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس .

وروى الزهري ، عن عطاء بن يزيد الجندعي ، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس .

والدلالة على النهي في هذين الوقتين لأجل فعل الصلاة لا لأجل الوقت : أن رجلين لو صلى أحدهما العصر ، ولم يصل الآخر أنه يجوز لمن لم يصل أن يتنفل ، ولا يجوز لمن صلى أن يتنفل ، فعلم أن النهي للفعل لا للوقت : لأن الوقت موجود فيمن لم يصل العصر وهو غير ممنوع من التنفل .

وأما الأوقات الثلاثة التي نهى عن الصلاة فيها لأجل الوقت ، فهي من حين تطلع الشمس إلى أن ترفع وتنبسط ، وإذا استوت للزوال إلى أن تزول ، وإذا دنت إلى الغروب إلى أن تغرب .

والدلالة على ذلك رواية الشافعي ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ، وإذا استوت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت قارنها " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الأوقات .

[ ص: 273 ] وروى عامر بن عقبة الجهني أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثلاثة أوقات وأن ندفن فيهن موتانا ، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين تقوم الظهيرة حتى تزول ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب .

قال أبو عبيد قوله : حين تضيف مالت للمغيب ، وقد سمي الضيف ضيفا ، لأنه مال إليك ونزل عليك .

فإن قيل : فما معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الأوقات قيل : فيه تأويلان :

أحدهما : أن نهيه عن الصلاة بعد الصبح ليكون أقوى لهم على صلاة الضحى ، وبعد العصر ليكون أقوى لهم على صلاة الليل ، وعند نصف النهار لأجل القائلة والاستراحة .

والتأويل الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة فيها : لأنه عليه السلام كان يجلس فيها لمعالم دينهم وتلاوة الوحي عليهم ، فكانوا ينقطعون عن ذلك بالصلاة ، فنهاهم عنها وعند قيام الظهيرة لقوله صلى الله عليه وسلم : قيلوا فإن الشياطين لا تقيل .

والتأويل الثالث : إن المعنى فيه ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم من مقارنة الشيطان للشمس في هذه الأوقات .

فأما قوله صلى الله عليه وسلم ومعها قرن الشيطان ففيه تأويلان :

أحدهما : قرن الشيطان من الإنس الذين يعبدون الشمس في هذه الأوقات كالمجوس ، وغيرهم .

والثاني : جند الشيطان من الجن الذين يصرفهم في أعماله وينهضهم في مرضاته في هذه الأوقات .

والثالث : أن الشيطان يستقبل الشمس في هذه الأوقات فيبرز ببروزها ، وعند قيامها ، وعند غروبها ليظهر مكره ، ومكائده فيكون كل من يسجد لها سجدا له ، والقرن : عبارة عن الارتفاع .

التالي السابق


الخدمات العلمية