الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : فإن كان قاطع اليد ناقصا إصبعا قطعت يده وأخذ منه أرش أصبع .

[ ص: 161 ] قال الماوردي : اعلم أنه لا يخلو كف القاطع والمقطوع من أربعة أحوال :

أحدها : أن تكونا كاملتي الأصابع .

والثاني : أن تكونا ناقصتي الأصابع .

والثالث : أن تكون كف المقطوع كاملة وكف القاطع ناقصة .

والرابع : أن يكون كف المقطوع ناقصة وكف القاطع كاملة ، فإن استويا في الكمال والنقص جرى القصاص بينهما في الكاملة بالكاملة والناقصة بالناقصة إذا كان النقص فيهما متساويا ، وإن كانت يد المقطوع كاملة الأصابع ويد القاطع ناقصة إصبعا فهي مسألة الكتاب ، وله أن يقتص من كفه الناقصة ويأخذ منه دية الأصبع التي نقصت .

وقال أبو حنيفة : يقتص من كفه الناقصة بكفه الكاملة ولا شيء له في الإصبع الناقصة ، احتجاجا بأنه لما لم يعتبر في قود النفوس نقصان الأطراف لدخولها في النفس لم يعتبر في قصاص الأطراف ما تخللها من نقص ، ولأنه لما كان أخذ الشلاء بالسليمة إذا رضي بها المقطوع لا يوجب الرجوع بنقص الشلل كذلك أخذ الناقصة بالكاملة لا يوجب الرجوع بأرش النقص ، ولأن القصاص يوجب وضع السكين من القاطع في موضعهما من المقطوع وقد فعل ذلك في الكف الناقصة فصار مستوفيا للحق .

ودليلنا قول الله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به [ النحل : 136 ] والمثل مثلان : مثل في الخلقة ، ومثل في القيمة ، وليست الكف الناقصة مثلا في الخلقة ولا مثلا في القيمة فلم تكافئ ما فضلت عنها في الخلقة والقيمة ، وإذا عدم مثل الخلقة في الناقصة أوجب العدول إلى مثلها في القيمة وهي الدية ، ولأن كل عضو أخذ قودا إذا كان موجودا أخذت ديته إذا كان مفقودا كما لو قطع أصابعه وكان للقاطع بعضها ، ولأن المقطوع مخير بين القصاص والدية فلما لم يؤثر نقصان كفه في نقصان الدية لم يؤثر نقصانها في نقصان القصاص .

فأما جمعه بين النفوس والأطراف فقد تقدم الفرق بينهما ، وأما اعتباره بالشلل فلا يصح ، لأن الشلاء تامة الأصابع ناقصة المنافع ، وهذه ناقصة الأصابع والمنافع فافترقا ، وأما اعتباره بوضع السكين في موضعهما من المقطوع فإن استويا في الوضع فقد اختلفا في التمام فلم يجز أن يستوفي الناقص بالتام .

التالي السابق


الخدمات العلمية