الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : فإن قال الجاني جنيت عليه وهو موجوء ، وقال المجني عليه بل صحيح فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأن هذا يغيب عن أبصار الناس ولا يجوز كشفه لهم .

قال الماوردي : إذا اختلف في سلامة العضو المجني عليه فقال الجاني : هو أشل وهو موجوء قد بطلت منافعه فلا قود علي ولا دية ، وعلي حكومة .

وقال المجني عليه : بل هو سليم أستحق فيه القود أو الدية عامة فقد نص الشافعي في الأعضاء الباطنة كالذكر والأنثيين أن القول قول المجني عليه مع يمينه على سلامتها ، وله القود إلا أن يقيم الجاني البينة على ما ادعاه من الشلل ، ونص في الأعضاء الظاهرة كاليدين والرجلين والأنف والعينين أن القول قول الجاني مع يمينه أنها غير سليمة ، ولا قود عليه ولا دية إلا أن يقيم المجني عليه البينة على سلامتها ، فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين النصين على وجهين :

أحدهما : أن اختلافهما محمول على اختلاف قولين :

أحدهما : أن القول قول الجاني مع يمينه في الأعضاء الظاهرة والباطنة أنها غير سليمة على ما نص عليه في الأعضاء الباطنة لا قود عليه ولا دية .

وبه قال أبو حنيفة : لأن الأصل براءة الذمة من قود وعقل فكان الظاهر صدقه .

والقول الثاني : أن القول قول المجني عليه مع يمينه في الأعضاء الظاهرة والباطنة على ما نص عليه في الأعضاء الباطنة ، لأن الأصل سلامة الخلقة وثبوت الصحة ، وهكذا لو قطع رجلا ملفوفا في ثوب فادعى أنه كان ميتا وادعى وليه أنه كان حيا فهو على قولين :

أحدهما : أن القول قول الجاني .

والثاني : أن القول قول الولي وأصلهما اختلاف قوليه في أيهما هو المدعي :

أحدهما : أن الجاني هو المدعي لحدوث الموت ، فيكون القول فيه قول الولي .

والثاني : أن الولي هو المدعي للقود ، فيكون القول قول الجاني ، فهذا أحد وجهي أصحابنا .

والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، أن اختلاف النصين محمول على [ ص: 186 ] اختلاف حالين ، فيكون القول في الأعضاء الظاهرة قول الجاني مع يمينه أنها غير سليمة ، والقول في الأعضاء الباطنة قول المجني عليه مع يمينه أنها سليمة .

والفرق بينهما : تقدير إقامة البينة في الأعضاء الباطنة وإمكانها في الأعضاء الظاهرة ، فيقوى في الباطن جنبة المجني عليه ، وقوي في الظاهر جنبة الجاني ، كما لو قال : إن ولدت فأنت طالق ، فادعت الولادة وأنكرها ، كان القول فيه قولها لتعذر البينة عليها .

وإن قال : إن ولدت فأنت طالق ، فادعت الولادة وأنكرها كان القول فيه قوله دونها ، لإمكان إقامة البينة على ولادتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية