الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من شرح المذهب ، فإن قلنا إن القول قول المجني عليه في سلامتها مع يمينه حلف لقد كان سليما عند الجناية عليه ، وحكم له بالقود أو الدية ، إلا أن يكون للجاني بينة على ما ادعاه من الشلل وعدم السلامة ، فإن شهدوا أنه كان أشل عند الجناية أو قبلها حكم بشهادتهم ، وسقط القود والدية ووجب الأرش ، لأن الشلل إذا ثبت قبل الجناية يزول وكان باقيا إلى وقت الجناية ، فلذلك ما استوى حكم الشهادة في الحالتين ، والبينة هاهنا إن كانت الجناية موجبة للقود شاهدان ، وإن كانت موجبة للدية دون القود شاهدان ، أو شاهد وامرأتان ، أو شاهد ويمين ، وإن قلنا : إن القول قول الجاني فلا يخلو حاله من أن يكون قد اعترف بالسلامة قبل الجناية أو لم يعترف بها ، فإن لم يعترف له بالسلامة وقال لم تزل سلامته وحلف ، فالقول قوله مع يمينه ، وإن اعترف له بالسلامة وادعى حدوث الشلل عند الجناية ففي قبول قوله قولان منصوصان :

أحدهما : لا تقبل للاعتراف بالسلامة ، لأنها قد صارت باعترافه بها أصل استصحابه فيصير القول فيه قول المجني عليه .

والقول الثاني : أن يقبل دعواه في حدوث الشلل مع اعترافه بتقدم السلامة ، لأننا لما قدمنا قوله في الشلل وإن كان الظاهر سلامة الخلقة قبلنا قوله مع اعترافه بسلامة الخلقة ، لاعترافه بما وافق الظاهر من السلامة ، فيكون القول قوله مع يمينه ، لقد كان أشل ولا يلزم أن يكون يمينه على شلله وقت الجناية ، لأن الشلل لا يزول بعد حدوث ، فإن أقام المجني عليه بينة على سلامته سمعناها إن شهدت بسلامته وقت الجناية .

[ ص: 187 ] وإن شهدت بسلامته قبلها فعلى قولين من اختلاف قوليه إذا اعترف بتقدم سلامته هل يقبل قوله في حدوث شلله .

فإن قيل بقبول قوله فيه لم يحكم عليه بهذه البينة ، وإن لم يقبل قوله فيه حكم عليه بهذه البينة ، وكان له إحلاف المجني عليه لقد كان سليما إلى وقت الجناية عليه ، ولا يقبل فيما أوجب القود إلا شاهدان ويقبل فيما أوجب الدية دون القود شاهد وامرأتان أو شاهد ويمين والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية