الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن قلع سن من لم يثغر فلا قصاص في الحال ولا دية ، لأنها من أسنان اللبن التي جرت العادة بنباتها بعد سقوطها ووجب الانتظار إلى أقصى المدة التي يقول أهل العلم بها من الطب أنها تنبت فيه ، فإن نبتت فلا قصاص فيها ولا دية ، لأن القصاص والدية إنما يجبان فيما يدوم ضرره وعينه ولا يجبان فيما يزول ضرره وشينه كالسن إذا نبتت وكاللطمة إذا آلمت ، لزوال ذلك وعوده إلى المعهود منه ، فإن كان قد خرج مع سن اللبن حين قلعت دم نظر فيه فإن خرج من لحم العمور وجب فيه أرش ، كمن جرح في لحم بدنه فأنهر دمه ، وإن خرج من محل السن المقلوعة ففي وجوب الأرش وجهان حكاها أبو حامد الإسفراييني :

أحدهما : لا يجب فيه أرش كمن لطم فرعف لم يجب فيه أرش .

والوجه الثاني : فيه الأرش ، لأنه قد قلع بقلعه ما اتصل به من عروق محله ومرابطه فلزمه الأرش ، وعلى مقتضى هذا التعليل يجب عليه الأرش وإن لم يخرج دم لقطع تلك المرابط والعروق .

فإن قيل به كان هذا الوجه الثاني أصح ، وإن لم يقل به كان الوجه الأول أصح ، والقول الثاني عندي أولى .

فإذا ثبت وجوب الانتظار بالسن المقلوعة وقت نباتها لم يخل حال صاحبها من أحد أمرين :

إما أن يعيش إلى ذلك الوقت أو يموت قبله ، فإن عاش إليه لم يخل حال تلك السن المقلوعة من أحد أمرين :

[ ص: 190 ] إما أن تنبت أو لا تنبت ، فإن لم تنبت وجب فيها القصاص ، فإن عفا عنه فالدية تامة ، لأنه قلع سنا لم تعد فصارت كسن المثغور وإن نبتت فلها ثلاثة أحوال :

أحدها : أن تنبت كأخواتها في القد واللون ، فلا قود فيها ولا دية .

والحال الثانية : أن تنبت أقصر من أخواتها فالظاهر من قصرها أنه من قلع ما قبلها قبل أوانه فصار منسوبا إلى الجاني فيلزمه دية السن بقدر ما نقص من السن العائد ، فإن كان النصف فنصف ديتها ، وإن كان الثلث فثلثها .

والحال الثالثة : أن تنبت في قد أخواتها لكنها متغيرة اللون بخضرة أو سواد ، فالظاهر أنه من الجناية ، فيؤخذ الجاني بأرش تغييرها ، وإن مات المقلوع سنه قبل الوقت الذي قدره أهل العلم بالطب لعودها فلا قود فيها ، لأن الظاهر أنه لو بقي لعادت ، والقصاص حد يدرأ بالشبهة .

وأما الدية ففي استحقاقها وجهان :

أحدهما : يستحق ، لأن قلعها مستحق وعودها مع البقاء متوهم ، فلم يسقط بالظن حكم اليقين .

والوجه الثاني : لا يستحق الدية اعتبارا بالظاهر كما لم يجب القود اعتبارا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية