الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا كان المقلوع سنه مثغورا فعادت سنه ونبتت ففيها قولان :

أحدهما : أنه يصير كغير المثغور إذا عادت سنه بعد قلعها تكون هي الحادثة عن المقلوعة ، فلا يجب فيها قصاص ولا دية ، كما لو جنى على عينه فأذهب ضوءها ثم عاد الضوء كان هو الأول ولم يكن حادثا عن غير ، فلو كان قد تقدم الاقتصاص منها لم يقتص للجاني منها ، لأن المستوفى على وجه القصاص لا يجب فيه القصاص لكن له الدية يرجع بها على المجني عليه لأخذه القصاص من سن لا يستحق فيها القصاص .

والقول الثاني : أن هذه السن الحادثة هبة من الله مستجدة وليست حادثة من المقلوعة ، لأن الظاهر من حال المثغور أن سنه إذا انقلعت لم تعد ، فلا يسقط بعودها قصاص ولا دية ، فيقتص من الجاني وإن عادت من المجني عليه بخلاف من لم يثغر ، لأن سن المثغور لا تعود في غالب العادة ، وسن غير المثغور تعود في الأغلب ، وخالف ضوء العين إذا عاد بعد ذهابه ، لأنه كان مستورا بحائل زال ، فأبصر بالضوء الأول لا بضوء تجدد وهذه سن تجددت فافترقا ، ويتفرع على هذين القولين فرعان :

[ ص: 191 ] أحدهما : أن يقلع رجل سنا فيقتص من سن الجاني بسن المجني عليه ، ثم تعود سن الجاني فتنبت .

فإن قيل : إن السن العائدة في المثغور هي هبة مستجدة وليست حادثة عن الأولى ، فلا شيء على الجاني بعود سنه من قصاص ولا دية لاستيفاء القصاص منه ، وما حدث بعده هبة من الله تعالى له .

وإن قيل : إن السن العائدة في المثغور هي الحادثة عن الأولى ، ففي وجوب الاقتصاص منها ثانيا وجهان :

أحدهما : يقتص منها إذا عادت ثانية كما اقتص منها في الأولى ، وكذلك لو عادت ثالثة ورابعة ، لأنه قد أفقد المجني عليه سنه فوجب أن يقابل بما يفقد سنه .

والوجه الثاني : لا قصاص فيها لاستيفائه منها وأنه جنى دفعة واحدة فلم يجز أن يقتص منه أكثر من دفعة واحدة ، فعلى هذا هل تؤخذ منه ديتها أم لا : على وجهين :

أحدهما : تؤخذ منه الدية لترك سنه عليه .

والوجه الثاني : لا يؤخذ بالدية كما لم يؤخذ بالقصاص ، لأن لا يجمع بين دية وقصاص .

والفرع الثاني : أن يقتص من سن الجاني بسن المجني عليه ، فتعود سن الجاني وتعود سن المجني عليه ، فلا قصاص هنا من الثانية ولا دية على القولين معا ، لأننا إن قلنا بأن العائدة هبة مستجدة فهي هبة في حق كل واحد منهما ، وإن قلنا إنها حادثة عن الأولى فقد عادت سن كل واحد منهما والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية