الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : ولو قال المقتص : أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها ، وقال عمدت وأنا عالم فلا عقل ولا قصاص فإذا برئ اقتص من يمينه وإن قال لم أسمع أو رأيت أن القصاص بها يسقط عن يميني لزم المقتص دية اليد .

قال الماوردي : وصورتها في رجل وجب القصاص عليه في يمناه فأخرج يسراه فقطعها المقتص ، فلا يجوز أن تكون اليسرى قصاصا باليمنى لاستحقاق المماثلة فيه ، كما لا تكون اليد قصاصا بالرجل وإن وقع به التراضي ، وإذا كان كذلك بدئ بسؤال فخرج يده قبل سؤال المقتص القاطع : هل أخرج يده باذلا لقطعها أو غير باذل ؟ فإن قال : أخرجتها غير باذل لقطعها وإنما أردت بإخراجها التصرف بها سأل حينئذ المقتص القاطع : هل علم أنها اليسرى أو لم يعلم ؟ فإن قال : لم أعلم أنها اليسرى وظننتها اليمنى فقطعتها قصاصا فلا قصاص على هذا المقتص في اليسرى وإن لم يكن قصاصا في اليمنى ، لأنها شبهة تدرأ بها الحدود ، وعليه ديتها ، لأنه قطعها خطأ بغير حق ، وهل يسقط بذلك حقه من قطع اليمنى أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : قد سقط حقه من الاقتصاص منها لاعتقاده استيفاء قصاصه ، فعلى هذا يرجع المقتص على مخرج يده اليمنى حالة في ماله ، لأنها دية عمد ، ويرجع مخرج يده اليسرى على عاقلة المقتص ، لأنها دية خطأ ، ولا يكونا قصاصا لاختلاف محلهما .

والوجه الثاني : أن حقه في الاقتصاص من اليمنى باق لبقائها ، وأن الخطأ بغيرها لا يزيل الحق منها ، فعلى هذا يكون للمقتص أن يقطع يمين الجاني المخرج ليسراه إذا اندملت اليسرى ، لأن لا يوالي عليه بين قطعين فيسري قطعهما إلى تلفه ، وهذا بخلاف ما لو استحق عليه قطع يديه فإنه يجوز أن يوالي عليه في الاقتصاص منهما بين قطعهما ولا ينتظر اندمال أولاهما ، لأن قطعهما مستحق فلم ينتظر به الاندمال وفي مسألتنا الأولى غير مستحق فانتظر اندماله لاستيفاء المستحق بعده ، فإذا اقتص من اليمنى كان على عاقلته دية يسرى الجاني .

وإن قال المقتص القاطع لليسرى علمت حين قطعتها أنها اليسرى .

[ ص: 194 ] قيل : عليك منها القصاص ، لأنك أخذتها عمدا بغير حق ، سواء علم تحريم قطع اليسرى باليمنى أو جهل ، فيقتص من يسراه بيسرى الجاني ، فأما حقه في الاقتصاص من يمين الجاني فمعتبر بحاله في قطع اليسرى ، هل قصد بقطعها القصاص من اليمنى أو لم يقصد بقطعها أن تكون قصاصا باليمنى ؟ فإن لم يقصد قصاصا باليمنى كان على حقه من الاقتصاص من يمين الجاني ، وإن قصد بقطع اليسرى أن يكون قصاصا من اليمنى ، ففي سقوط حقه من الاقتصاص منها وجهان :

أحدهما : قد سقط حقه من قطع اليمنى قصاصا لاعتقاده استيفاء بدله ويكون له على الجاني ديتها .

والوجه الثاني : أنه على حقه في الاقتصاص من اليمنى ، لأنه لما لم تكن اليسرى بدلا عنهما واستوفى القصاص لها وجب أن يكون على حقه من القصاص من اليمنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية