الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو قال الجاني مات من قطع اليدين والرجلين ، وقال الولي مات من غيرهما فالقول قول الولي .

قال الماوردي : وصورتها في رجل قطع يدي رجل ورجليه ثم مات المجني عليه فلا يخلو موته من خمسة أحوال :

أحدها : أن يموت بعد اندمال اليدين والرجلين فيكون الجاني قاطعا وليس بقاتل فيلزمه إن عفا عن القصاص في يديه ورجليه ديتان إحداهما في اليدين ، والأخرى في الرجلين .

والحال الثانية : أن يموت قبل اندمالهما فيصير الجاني قاتلا يقتص من نفسه بعد الاقتصاص من اليدين والرجلين ، فإن عفا عن القصاص كانت عليه دية واحدة ، لأن ديات الأطراف تدخل في ديات النفس إذا سرت الجناية إليها .

والحال الثالثة : أن يموت بعد اندمال أحدهما وبقاء الأخرى ، كموته بعد اندمال يديه وبقاء رجليه ، فيصير الجاني قاتلا بسراية الرجلين قاطعا باندمال اليدين وتلزمه ديتان إحداهما في النفس لسراية الرجلين إليهما والأخرى في اليدين لاستقرار ديتها باندمالهما ، لأنها تدخل في دية النفس ما لم تندمل ، ولا تدخل فيها إذا اندملت .

والحال الرابعة : أن يختلفا فيدعي الولي أنه مات بعد اندمالهما فاستحق على الجاني ديتين ، وادعى الجاني أنه مات قبل اندمالهما ليلتزم دية واحدة ، فالواجب مع هذا الاختلاف أن يعتبر الزمان الذي بين الجناية والموت ، فإن اتسع للاندمال كالشهر فما زاد فالقول قول الولي مع يمينه بالله لقد مات بعد اندمال الجناية ، لأنه قد استحق بابتداء الجناية ديتين ، وما ادعاه من الاندمال محتمل فلم تقبل دعوى الجاني في إسقاط أحدهما إلا أن يقيم بينة أن المقطوع لم يزل مريضا حتى مات من الجناية فيحكم بها ، ولا يلزمه إلا دية واحدة ، وإن ضاق الزمان عن الاندمال كموته بعد يوم أو أسبوع فالقول قول الجاني ، لأن ما ادعاه الولي مخالف للظاهر ويحلف الجاني وإن كان الظاهر معه ، لجواز أن يموت المقطوع مخنوقا أو مسموما ، فإن ادعى الولي مع ضيق الزمان عن الاندمال أن المقطوع مات موجئا بذبح أو سم أو خنق صار مع كل واحد منهما ظاهر يوجب العمل عليه ، فيكون على وجهين :

أحدهما : أن يكون القول قول الولي مع يمينه وهو الأظهر من مذهب الشافعي ، لأنه قد استحق في الظاهر بابتداء الجناية ديتين وما ادعاه من حدوث التوجية محتمل .

والوجه الثاني : أن القول قول الجاني مع يمينه ، لأن الظاهر موته من الجناية وما ادعاه الولي من حدوث التوجية غير معلوم فلم يقبل منه ، فعلى هذا لو اختلفا في اتساع [ ص: 197 ] الزمان وضيقه فقال الولي : اتسع الزمان للاندمال فالقول قولي في استحقاق الديتين ، وقال الجاني : ضاق الزمان عن الاندمال فالقول قولي في أن لا تلزمني إلا دية واحدة ، فالقول قول الجاني مع يمينه دون الولي ، ولا يلزمه إلا دية واحدة لأمرين :

أحدهما : أن الأصل قرب الزمان حتى يعلم بعده .

والثاني : أن الأصل بقاء الجناية حتى يعلم اندمالها .

والحال الخامسة : أن يختلفا فيدعي الولي أنه مات من الجناية فاستحق القصاص في النفس ، ويدعي الجاني أنه مات من غير الجناية فلا قود عليه في النفس ، فإن ضاق الزمان عن الاندمال فالقول قول الولي مع يمينه ، لأن الظاهر معه ، فإن اتسع الزمان للاندمال فالقول قول الجاني مع يمينه ، لأن الأصل أن لا قصاص عليه في النفس .

التالي السابق


الخدمات العلمية