الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
القول في قضاء الوتر وركعتي الفجر

مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإن فاته الوتر حتى يصلي الصبح لم يقض .

قال ابن مسعود : الوتر فيما بين العشاء والفجر وإن فاته ركعتا الفجر حتى تقام الظهر لم يقض ، لأن أبا هريرة قال : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " .

قال الماوردي : وهذا صحيح . أما إذا نسي الوتر ، وذكرها قبل طلوع الفجر فيصليها وتكون أداء لا قضاء ، فأما إذا نسي الوتر ، وذكرها بعد طلوع الفجر ، أو نسي ركعتي الفجر ، ثم ذكرها بعد زوال الشمس ، فقد ذكر المزني في هذا الموضع أنه لا يقضي ونقله في القديم ، وذكر في هذا الموضع أيضا ما يدل عمومه على القضاء بعد فوات الوقت ، واختلف أصحابنا فكان أبو إسحاق المروزي يقول : يقضي ذلك قولا واحدا ، وأجاب عما نقله المزني من قوله : " لا يقضى بجوابين " :

أحدهما : أن الشافعي قصد بذلك الرد على أبي حنيفة حيث أوجب قضاء الوتر بعد طلوع الشمس ، وإعادة الصبح وبنى ذلك على أصلين له قد تقدم الكلام عليه فيهما وهما .

الأول : إيجاب الوتر .

والثاني : إيجاب ترتيب الفوائت .

فقال الشافعي : " لا يقضي " . يعني : واجبا ، فأما من طريق الاختيار والاستحباب ، فيقضي ولو بعد نوم ، ويكون ذلك صلاة وتر ، وركعتي فجر فهذا جواب .

[ ص: 288 ] والجواب الثاني : وهو قريب من معنى الأول : أنه لم يأمر بقضاء ذلك أمرا لازما من أجل ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : " الوتر فيما بين العشاء والفجر " .

وما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فصرف وجوب القضاء من أجل هذا ، وأن يكون اشتغاله بالفرض أولى من قضاء ما فاته من النفل فيكون النهي على هذا الجواب متوجها إلى من ذكر ذلك عند إقامة الفرض ، فهذا قول أبي إسحاق ، وعليه عامة أصحابنا ، وهو الصحيح .

وقال آخرون من أصحابنا : في قضاء الوتر بعد الفجر ، وركعتي الصبح بعد الزوال قولان :

أحدهما : أنها لا تقضى .

ووجهه : أنها صلاة نافلة ، فوجب أن تسقط بفوات وقتها كالكسوف ، والخسوف ، ولأن الصلاة إنما تفعل لتعلقها بالوقت ، أو لتعلقها بالذمة ، أو تبعا لفعل فريضة ، والوتر وركعتا الفجر لم يتعلقا بالوقت ، ولأن وقتيهما قد فاتا وهي غير متعلقة بالذمة ، لأن النافلة لا تتعلق بالذمة ، وليس يفعلان على طريق التبع ، لأن متبوعها قد سقط فعلم أنهما لا يفعلان .

والقول الثاني : تقضى وهو الصحيح .

ووجهه عموم قوله صلى الله عليه وسلم : من نام عن صلاة ، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها ولأنها صلاة لها وقت راتب فوجب أن لا تسقط بفوات وقتها كالفرائض فعلى هذا لو دخل المسجد وقد أقيمت صلاة الصبح ، ولم يكن قد صلى ركعتي الفجر ، قال الشافعي : دخل مع الإمام في صلاة الصبح ، ولم يشتغل بركعتي الفجر ، فإذا أكمل فرضه ركعهما .

وقال أبو حنيفة : يركعهما قبل فرضه ، وهذا غلط لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فأما إذا قيل : لا يقضي ، فهل يسقط فعلها بعد الصلاة الأخرى ، أو بدخول وقتها ؟ على وجهين :

أحدهما : بدخول الوقت ، فعلى هذا تسقط صلاة الوتر بطلوع الفجر ، وركعتا الفجر بزوال الشمس .

والثاني لا : بفعل الصلاة ، فعلى هذا يصلي الوتر بعد الفجر ، وقبل صلاة الصبح ، فإذا صلاها سقط فعل الوتر ، ويصلي ركعتي الفجر بعد الزوال ، وقبل صلاة الظهر ، وإذا صلاها سقط فعل ركعتي الفجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية