الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : قدر أبو حنيفة الدية من الورق عشرة آلاف درهم ، وعند الشافعي أنها إذا تقدرت كانت اثني عشر ألف درهم ، فقوم الشافعي كل دينار باثني عشر درهما ، وقومه أبو حنيفة بعشرة دراهم استدلالا بقضاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الدية بعشرة آلاف درهم . وبقول علي بن أبي طالب - عليه السلام - : " وددت أن لي بكل عشرة منكم واحدا من بني فراس بن غنم " صرف الدينار بالدراهم ، فدل على أن قيمة الدينار عشرة دراهم ، ولأن الشرع قد قدر في الزكاة والسرقة كل دينار في مقابلة عشرة دراهم ، أما الزكاة فلأن نصاب الذهب عشرون مثقالا ونصاب الورق مائتا درهم .

وأما السرقة فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : القطع في دينار أو عشرة دراهم .

ودليلنا ما روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الدية اثني عشر ألف درهم ، وحديث عمرو بن حزم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الدية اثني عشر ألف درهم ، ولأنه قول سبعة من الصحابة أنهم حكموا في الدية باثني عشر ألف درهم منهم الأئمة الأربعة ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة رضوان الله عليهم ، ولم يظهر مخالف فكان إجماعا لا يسوغ خلافه .

فإن قيل : فقد روي عن عمر أنه قضى في الدية بعشرة آلاف درهم ، قيل : المشهور عنه ما رويناه وقد رواه عمرو بن شعيب وحضر السيرة فيه فكان أثبت نقلا وأصح عملا ، ولو تعارضت عنه الروايتان كان خارجا من خلافهم ووفاقهم ، ولكان قول من عداهم إجماعا منعقدا .

فإن قيل : فتحمل الاثنا عشر ألفا على وزن ستة ، والعشرة آلاف على وزن سبعة ، فيكون وفاقا في القدر وإن كان خلافا في العدد .

قيل : ليس تعرف دراهم الإسلام إلا وزان سبعة ، ولو جاز لكم أن تتأولوه على هذا لجاز لنا أن نقابلكم بمثله فتأول من روى عشرة آلاف درهم على أنها وزن ثمانية ، ومن روى اثني عشر ألفا على أنها وزن سبعة .

[ ص: 230 ] وقولهم : إن الدينار موضوع في الشرع على مقابلة عشرة دراهم في الزكاة والسرقة فليست الزكاة أصلا للدية ، لأن نصاب الإبل فيها خمس ، ونصاب الذهب عشرون مثقالا ، يكون البعير الواحد في مقابلة أربعة دنانير ، والدية من الإبل مائة بعير تقتضي على اعتبار الزكاة أن تكون الدية من الذهب أربعمائة دينار ، وهذا مدفوع بالإجماع ، فكذلك اعتبار نصاب الورق بنصاب الذهب .

وأما السرقة فالحديث فيها مدفوع والنقل مردود فيما ورد فيه فكيف يجعل أصلا لغيره وقد روينا أنه قال : " القطع في ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم " فأما المزني فإنه قال : ورجوعه عن القديم رغبة عنه إلى الجديد وهو أشبه بالسنة يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون القديم أشبه بالسنة فيكون اختيارا له .

والثاني : يحتمل أن يكون الجديد أشبه بالسنة فيكون اختيارا له والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية