الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن ذهب بعض كلامه اعتبر عليه بحروف المعجم ثم كان ما ذهب من عدد الحروف بحسابه .

قال الماوردي : وهو كما قال : إذا ذهب بالجناية على اللسان بعض كلامه اعتبر قدر الذاهب منه بعدد حروف المعجم التي عليها بناء جميع الكلام ، وهي تسعة وعشرون حرفا إن كان عربي اللسان ، وإن كان أعجمي اللسان اعتبر عدد حروف كلامه ، فإن حروف اللغات مختلفة الأعداد والأنواع ، فالضاد مختصة بالعربية ، وبعضها مختص بالأعجمية ، وبعضها مشترك بين اللغات كلها ، وبعض اللغات يكون حروف الكلام فيها أحدا وعشرين حرفا ، وبعضها ستة وعشرين حرفا ، وبعضها أحدا وثلاثين حرفا ، فيعتبر قدر ما ذهب من الكلام بقدر حروف اللغة التي يتكلم بها المجني عليه ، فإذا كان عربي اللسان يقسط على تسعة وعشرين حرفا ، ومنهم من عدها ثمانية وعشرين حرفا وأسقط حرفا لا لدخوله في الألف واللام ، وسواء في ذلك حروف الحلق والشفة ، هذا ظاهر مذهب الشافعي وقول جمهور أصحابه ، وقال أبو سعيد الإصطخري وأبو علي بن أبي هريرة يكون ما ذهب من الكلام معتبرا بعدد حروف [ ص: 265 ] اللسان ، ويسقط منها حروف الحلق والشفة ، وهي عشرة أحرف ، ستة منها حلقية : وهي همزة الألف ، والحاء ، والخاء ، والعين ، والغين ، والهاء .

وأربعة منها شفوية وهي الباء ، والفاء ، والميم ، والواو .

ويبقى من حروف الكلام ما يختص باللسان وهو تسعة عشر حرفا تتقسط عليها ما ذهب من الكلام ، فإن ذهب منه حرف كان عليه جزءا من تسعة وعشرين جزءا من الدية وهذا فاسد من ثلاثة أوجه :

أحدهما : أن هذه وإن كان مخارجها في الحلق فالشفة واللسان معبر عنها وناطق بها ، ولذلك لم يتلفظ الأخرس بها .

والثاني : أنه يقتضي غير قولهما أن لا يلزم بالجناية على لسانه ضمان ما ذهب من حروف الحلق والشفة ، ويكون ضمانه مختصا بما ذهب من حروف اللسان وهي تسعة عشر ، ويكون ضمان الحروف الحلقية والشفوية ساقطا عنه ، لأنه لم يجزأ على محله ، قالاه لم يقله غيرهما ، وإن لم يقولاه فسد تعليلهما .

والثالث : يلزمهما في الحروف الشفوية أن يضمنها إذا جنى على شفته ، فإن قالاه ركبا الباب ، وإن لم يقولاه فسد التعليل وصح ما رأيناه من اعتبار جميعها باللسان المفصح عنها والمترجم لها ، فإن أذهب بحرف واحد منها كان عليه جزءا من تسعة وعشرين جزءا من الدية ، وإن أذهب بعشرة أحرف كان عليه عشرة أجزاء من تسعة وعشرين ، وعلى قياس هذا فيما زاد ونقص ، وسواء في ذلك ما خف على اللسان وقل هجاؤه أو ثقل على اللسان وكثر هجاؤه لا يفضل بعضها على بعض ، وتكون الدية مقسطة على أعداد جميعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية