الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : فإن لم يثغر انتظر به فإن لم تنبت ثم عقلها وإن نبتت فلا عقل لها .

قال الماوردي : وهو كما قال ، إذا قلع سن صبي لم يثغر فلا قود في الحال ولا دية ، لأن المعهود من أسنان اللبن أنها تعود بعد السقوط فلم تصر مساوية لسن المثغور التي لا تعود وقد يجوز أن لا تعود سن اللبن إذا قلعت ، وإن كان نادرا ، كما يجوز أن تعود سن المثغور إذا قلعت وإن كان عودها نادرا .

ووجب أن يعتبر في كل واحد منهما حكم الأغلب دون النادر ، وهو أن سن اللبن تعود وسن المثغور لا تعود ، فلذلك وجب الانتظار بسن اللبن حال عودها وإن جاز أن لا تعود ، ولم ينتظر بسن المثغور حال عودها وإن جاز أن تعود ، فإذا كان كذلك لم تخل سن الصبي إذا قلعت من أن يعود نباتها أو لا يعود فإن لم يعد نباتها بعد نبات أخواتها ، وقال أهل العلم : قد تجاوزت مدة نباتها وجب فيها القصاص ، وكمال الدية ، وكانت في حكم سن المثغور ، لأنها سن لم تعد بعد القلع .

وإن عاد نباتها فعلى ضربين :

أحدهما : أن يعود مساوية لأخواتها في المقدار والمكان فلا دية فيها ولا قود ، فأما الحكومة فإن كان قد جرح محل المقلوعة حتى أدماه لزمته حكومة جرحه ، وإن لم يجرحه ففي حكومة المقلوعة وجهان :

أحدهما : لا حكومة فيها ، لأنها تسقط لو لم تقلع .

والوجه الثاني : فيها حكومة ، لأنه قد أفقده منفعتها .

ولو قيل بوجه ثالث : إنه إن قلعها في زمان سقوطها فلا حكومة فيها ، وإن قلعها قبل زمانها ففيها حكومة كان مذهبا ، لأنها قبل زمان السقوط نافعة وفي زمانه مسلوبة المنفعة .

[ ص: 273 ] والضرب الثاني : أن يعود نباتها مخالفا لنبات أخواتها وهو أن يقاس الثنية بالثنية ، والرباعية بالرباعية ، والناب بالناب ، ولا يقاس ثنية برباعية ، ولا ناب ، ويقاس سفلى بسفلى ، ولا يقاس عليا بسفلى ، وإذا كان كذلك لم يخل حال اختلافهما من أربعة أقسام :

أحدها : أن يختلف في المقدار ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن تعود أطول من أختها فلا شيء عليه في زيادة طولها وإن شان أو ضر ، لأن الزيادة لا تكون من جناية ، لأن الجناية نقص لا زيادة ، وكذلك نبت معها سن زائدة .

والثاني : أن تعود أقصر من أختها فعليه من ديتها بقدر ما نقص من نباتها ، لحدوثه في الأغلب عن جنايته .

والقسم الثاني : أن يختلف في المحل فنبتت هذه العائدة خارجة عن صف أخواتها أو داخلة ، أو راكبة فهذا على ضربين :

أحدهما : أن تذهب منافعها بخروجها عن محلها لخلوه وانكشافه ففيها الدية التامة .

والثاني : أن تكون منافعها باقية ، لأنها قد سدت محلها وقامت مقام أختها ، فلا دية فيها ، لكمال منافعها ، وفيها حكومة لقبح بروزها عن محلها .

والقسم الثالث : أن يختلفا في المنفعة ، فتكون أقل من منفعة أختها مع نباتها في محلها ففيها قولان :

أحدهما : فيها الدية تامة .

والثاني : فيها حكومة ، ولو قيل : تكمل ديتها إن ذهب أكثر منافعها ، وحكومة إن ذهب أقلها كان مذهبا .

والقسم الرابع : أن يختلف في اللون فتغير لونها مع بياض غيرها ، فإن تغير بصفرة كان فيها حكومة ، وإن تغير بخضرة كانت حكومتها أكثر من حكومة الصفرة ، وإن تغير بسواد فصارت سودا فالصحيح من مذهب الشافعي أن فيها حكومة هي أزيد من حكومة الصفرة والخضرة ، لأن شين السواد أقبح ، وخرج قول آخر أن فيها ديتها تامة ، وسنذكر ذلك في السن إذا اسودت بجنايته .

التالي السابق


الخدمات العلمية