الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 303 ] فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من اختيار الحكومة فلا يخلو حال الجناية ذات الحكومة من أحد أمرين : إما أن يكون لها تأثير في نقصان القيمة أو لا يكون ، فإن كان لها تأثير في النقصان وهو العشر الموجب لعشر الدية نظرت ، فإن كان أقل من دية العضو المجني عليه كالجناية على إحدى العينين يقدر أرش الحكومة بعشر الدية ، فيجب بها عشر الدية ، وإن كان مساويا لدية العضو المجني عليه كالجناية على الإصبع لم توجب فيه حكومتها عشر الدية ، لأن لا يساوي أرش حكومتها دية قطعها ، ونقصت من عشر الدية التي هي دية الإصبع ما يقتضيه الاجتهاد بحسب كثرة الشين وقلته ، ولو كانت على الرأس وهي دون الموضحة وكان نقصها عشر القيمة لم توجب بها عشر الدية ، لأنه أكثر من دية الموضحة ونقصت من دية الموضحة بحسب الشين ، ولا يجوز أن يجعل النقصان ناقصا حقه أو أقله ما يجوز أن يكون ثمنا لبيع أو صداقا لزوجة ، وإن لم يكن للجناية تأثير في نقصان القيمة وذلك من وجوه ، إما بأن لا يكون للجراح بعد اندمالها تأثير ، أو يكون كقطع إصبع زائدة أو قلع سن شاغبة أو نتف لحية امرأة فقد أذهبت الجناية شينا وأحدثت جمالا ففيها وجهان :

أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج : أنه لا أرش لها وتكون هدرا ، لأنها لم تحدث نقصا ، وقد أشار الشافعي إلى هذا في اللطمة توجب الحكومة إن أثرت في تغيير البشرة وتكون هدرا إن لم تؤثر .

والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : أنها تضمن ولا تكون هدرا ، لاستهلاك بعض الخلقة التي توجب ضمان جملتها ضمان أجزائها ، وقد أشار الشافعي إلى هذا في لحية المرأة إذا نتفت أنها توجب حكومة دون حكومة لحية الرجل ، وإن لم يحدث نتفها في المرأة شينا ، فعلى هذا إن كان عدم التأثير في جرح قد اندمل لم يبق له بعد الاندمال أثر اعتبرت نقصان أثره قبل الاندمال وبعد انقطاع دمه ، فإن لم يكن له تأثير اعتبرت نقصانه عند سيلان دمه فنجد له في نقصان القيمة أثرا ، وكذلك في اعتبار قطع الإصبع الزائدة يعتبر وقت سيلان الدم وإن كان قلع سن شاغبة فهي وإن شانت فقد كانت مقوية لما وراءها من سن الأصل فصارت بعد قلعها أضعف فيعتبر نقصان تأثير قوة تلك السن وضعفها ، وإن كانت في نتف لحية امرأة فهو يحدث في المرأة زيادة وفي الرجل نقصانا ، فسقطت الزيادة الحادثة في المرأة من النقصان الحادث في الرجل ، وينظر الباقي بعده فيعتبره من ديتها ، فإن لم يبق بعد إسقاط الزيادة شيء من النقصان أوجب حينئذ ما قل مما يجوز أن يكون ثمنا أو صداقا والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية