الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا غرم في جنايتها أقل الأمرين ثم جنت بعده على آخر نظر فيما غرمه السيد للأول من أقل الأمرين ، فإن كان هو أرش الجناية ، لأن قيمتها ألف ، وأرش جنايتها خمسمائة لزم السيد أن يغرم للثاني أرش جنايته إذا كان بقدر الباقي من قيمتها ، وهو أن يكون أرشها خمسمائة فما دون ، وإن كان ما غرمه للأول من أقل الأمرين هو جميع قيمتها وهي ألف ، فإذا جنت على الثاني ففيها قولان :

أحدهما : وهو اختيار المزني : يضمنها كضمان الأول بأقل الأمرين من قيمتها أو أرش جنايتها ويعلم للأول ما أخذه من أرش الجناية عليه لأمرين :

أحدهما : أنها قد عادت بعد الفداء إلى معناها الأول فوجب أن يضمنها كضمانه [ ص: 322 ] للأول ، كما لو غرم قيمة عبده في جنايته للمنع من بيعه ثم جنى ثانية فمنع من بيعه غرم قيمته ثانية .

والثاني : أن الأول قد ملك أرش جنايته والجاني على الثاني غيره ، فلم يلزمه أن يضمن جناية غيره ، وليس بجان ولا من عاقلة الجاني ، فعلى هذا يضمنها السيد في كل جناية تجددت منها ولو كانت مائة جناية بأقل الأمرين من قيمتها أو أرش جنايتها .

والقول الثاني : وهو مذهب أبي حنيفة : أن السيد لا يلزمه ضمان الجناية الثانية ، ويرجع الثاني على الأول فيشاركه في القيمة ، وإنما كان هكذا لأمرين :

أحدهما : أنه بالإيلاد مستهلك ، والمستهلك لا يلزمه أكثر من قيمة واحدة .

والثاني : أنه لما لم يلزمه إذا تقدمت الجناية على الغرم أكثر من قيمتها كذلك لا يلزمه فيما حدث بعد غرمه أكثر من قيمتها وقد غرمها ، وخالف المانع من بيع غيره ، لأن أم الولد مستهلكة والممنوع من بيعه غير مستهلك ولا يمتنع أن يرجع الثاني على الأول وإن لم يكن جانيا ولا عاقلة ، كما لو مات رجل في بئر تعدى حفرها ضمن في تركته فأتلف فيها بعد موته وإن لم يكن الورثة جناة ولا عاقلة ، فلو كانت قيمة ما تلف فيها ألفا وجميع التركة ألفا فاستوعبها المجني عليه ثم تلف فيها ما قيمته ألف ثانية رجع الثاني على الأول فشاركه في الألف التي أخذها ، وإن لم يكن جانيا ولا عاقلة ، كذلك في جناية أم الولد ، فعلى هذا لو غرم قيمتها للأول وهي ألف ثم جنت ثانية بعد الأول لم يخل حال الجنايتين من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يتساويا في أرشها ، فيكون أرش الأولى ألفا وأرش الثانية ألفا ، فيرجع الثاني على الأول بنصف الألف ويتساويان فيها لتساوي جنايتهما .

والقسم الثاني : أن تكون أرش الجناية الثانية أقل من أرش الجناية الأولى ، لأن أرش الأولى ألفان وأرش الثانية ألف ، فيرجع الثاني على الأول بثلث الألف ، لأن أرشه ثلث الأرشين .

والقسم الثالث : أن يكون أرش الجناية الثانية أكثر من الجناية الأولى ، لأن أرش الأولى ألف وأرش الثانية ألفان ، فيرجع الثاني على الأول بثلثي الألف ، لأن أرشه ثلثا الأرشين لتكون القيمة في الأحوال الثلاث مقسطة على قدر الأروش ، وهكذا لوجبت على ثالث بعد اشتراك الأولين في القيمة رجع الثالث على كل واحد من الاثنين بقسط جنايته مما أخذه كل واحد من الأولين ، ثم كذلك على رابع وخامس ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية