الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا كان كذلك لم يخل حال الراكبين من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكونا حرين .

والثاني : أن يكونا مملوكين .

والثالث : أن يكون أحدهما حرا والآخر مملوكا .

فإن كانا حرين فلا يخلو حالهما من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكونا بالغين .

والثاني : أن يكونا صغيرين .

والثالث : أن يكون أحدهما بالغا والآخر صغيرا .

فإن كانا بالغين عاقلين فلهما خمسة أحوال :

أحدها : أن يموت الراكبان والدابتان ، فيكون في مال كل واحد منهما نصف قيمة [ ص: 326 ] دابة صاحبه ، ولا تحملها العاقلة لاختصاص العاقلة بحمل ديات الآدميين دون البهائم فيتقاص المصطدمان بما لزم كل واحد منهما لصاحبه من قيمة نصف دابته ، ويتراجعان فضلا إن كان فيه ، ويجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه مخففة إن كان خطأ محضا ، ومغلظة إن كان عمدا شبه الخطأ ، ولا قصاص من العاقلتين فيما تحملاه من ديتهما إلا أن يكون عاقلتهما ورثتهما فيتقاصان ذلك ، لأنه حق لهما وعليهما .

والحال الثانية : أن يموت الراكبان دون الدابتين ، فيلزم عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه ولا يتقاضيانها إلا أن تكون العاقلتان وارثي المصطدمين .

والحال الثالثة : أن تموت الدابتان دون المصطدمين ، فيلزم كل واحد منهما نصف قيمة دابة صاحبه في ماله ويتقاضيانها .

والحال الرابعة : أن يموت أحدهما ودابته دون الآخر ودون دابته ، فيضمن الحي نصف قيمة الدابة الميتة ، وتضمن عاقلته نصف دية الميت .

والحال الخامسة : أن يموت أحدهما دون دابته وتموت دابة الآخر دونه ، فيكون نصف دية الميت على عاقلة الحي ، ونصف قيمة دابة الحي في مال الميت ، ولا يتقاضيان قيمة الدابة من الدية وإن كانت العاقلة وارثة ، لأن الحي لا يورث .

ويجيء فيها حال سادسة وسابعة قد بان حكمهما بما ذكرناه ، فإن كانا صغيرين وقد ماتا ودابتاهما فلهما ثلاثة أحوال :

أحدهما : أن يركبا بأنفسهما .

والثاني : أن يركبهما ولياهما .

والثالث : أن يركبهما أجنبي لا ولاية له عليهما .

فإن ركبا بأنفسهما فحكمهما في الضمان كحكم البالغ ، يضمن عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر ، ويضمن في ماله نصف قيمة دابته ، وإن أركبهما ولياهما فالضمان في أموال الصغيرين وعلى عواقلهما دون الوليين ، لأن للولي أن يقوم في تأديب الصغيرين بالارتياض للركوب ولا يكون به متعديا . فإن أركبهما أجنبي لا ولاية له عليهما ضمن مركب كل واحد منهما نصف دية من أركبه ونصف دية الآخر ونصف قيمة دابته ونصف قيمة دابة الآخر ، ولا يسقط شيء من دية أحدهما ولا من قيمة دابته ، لأنه قد تعدى بإركابه فضمن جنايته وضمن الجناية عليه .

وإن كان أحدهما صغيرا والآخر كبيرا كان ما اختص بالصغير مضمونا على ما ذكرناه إذا كانا صغيرين ، وما اختص بالكبير مضمونا على ما ذكرناه إذا كانا كبيرين ، وهكذا لو كان المصطدمان امرأتين حاملين فألقت كل واحدة منهما جنينا ميتا لم ينهدر [ ص: 327 ] شيء من دية الجنين ، وكان على عاقلة كل واحدة منهما نصف دية جنينها ، ونصف دية جنين صاحبتها ، لأن جنينها تلف بصدمتها وصدمة الأخرى ، وجنينها مضمون عليها بالجناية لو انفردت باستهلاكه ، فكذلك تضمنه إذا شاركت فيه غيرها ، ولا قصاص هاهنا في الديتين بحال وإن كانا ورثة الجنين ، لأن من وجبت له غير من وجبت عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية