الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 371 ] باب وضع الحجر حيث لا يجوز وضعه وحفر البئر وميل الحائط

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو وضع حجرا في أرض لا يملكها وآخر حديدة فتعلق رجل بالحجر فوقع على الحديدة فمات ، فعلى واضع الحجر لأنه كالدافع له .

قال الماوردي : وأصل هذا الباب أن القتل إن حدث عن سبب محظور كان مضمونا ، وإن حدث عن سبب مباح كان هدرا ، فإذا وضع رجل حجرا في أرض لا يملكها إما في طريق سابل أو في ملك غيره فوضعه محظور ، فإن عثر به إنسان فمات كان واضع الحجر ضامنا لديته لحظر السبب المؤدي إلى قتله ، والقتل يضمن بالسبب كما يضمن بالمباشرة ، ولو دفعه رجل على هذا الحجر فمات كانت ديته على الدافع له لا على واضع الحجر ، لأن المباشرة أقوى من السبب ، فإذا اجتمعا غلب حكم المباشرة على السبب ، ولو كان صاحب الحجر وضعه في ملكه أو في ملك غيره بإذنه فعثر به إنسان فمات فلا ضمان عليه ، ودية العاثر هدر ، سواء كان بصيرا أو ضريرا ، دخل بإذن أو غير إذن ، لإباحة السبب المؤدي إلى قتله .

فإذا تقررت هذه المقدمة فصورة المسألة : في رجل وضع حجرا في أرض لا يملكها ، ووضع آخر حديدة بقربه في الأرض التي لا يملكها ، فعثر رجل بالحجر فوقع على الحديدة فمات ، فضمان ديته على واضع الحجر دون واضع الحديدة ، لأن وقوعه على الحديدة بعثرة الحجر فصار واضعه كالدافع له فوجب أن يكون ضامنا لديته كما لو دفعه عليها .

وقال أبو الفياض من أصحابنا البصريين : إن كانت الحديدة سكينا قاطعة فالضمان على واضعها دون واضع الحجر ، وإن كانت غير قاطعة فالضمان على واضع الحجر ، لأن السكين القاطعة موجية والحجر غير موج .

وهكذا قال في رجل دفع رجلا على سكين في يد قصاب فانذبح بها أن ديته على القصاب دون الدافع ، وهذا القول معلول : لأن الدفع مباشرة يضمن بها المدفوع ، سواء ألقاه على موج أو غير موج ، ولو عثر بالحديدة فوقع على الحجر فمات كان ضمانه [ ص: 372 ] على واضع الحديدة دون واضع الحجر ، لأنه قد صار صاحب الحديدة كالدافع له ، ولو كان صاحب الحجر غير متعد بوضعه وصاحب الحديدة متعديا فعثر رجل بالحجر فوقع على الحديدة فمات ضمنه واضع الحديدة دون واضع الحجر ، لأن وضع الحجر مباح ، فصارت الجناية منسوبة إلى واضع الحديدة لتعديه ، وبطل التعليل بالدفع الملغي لخروجه عن التعدي والحظر ، وهكذا لو برزت نبكة من الأرض فعثر بها هذا المار فسقط على الحديدة الموضوعة بغير حق فمات ضمن واضعها ديته ، لأن بروز النبكة التي عثر بها لا توجب الضمان فأوجبه وضع الحجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية