الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : فإن قامت البينة أنها لم تزل ضنية من الضربة حتى طرحته لزمه وإن لم تقم بينة حلف الجاني وبرئ .

قال الماوردي : وجملة حال المرأة في ضمان جنينها ينقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تدعي على رجل أنه ضرب بطنها حتى ألقت جنينا ميتا فينكر الجاني الضرب ، فالقول قوله مع يمينه لبراءة ذمته إلا أن تأتي بينة تشهد عليه بضربها فيحكم بها ، ويلزمه دية جنينها ، وبينتها عليه شاهدان أو شاهد وامرأتان ، ولا يقبل منها شهادة النساء المنفردات .

والقسم الثاني : أن يعترف بضربها وينكر أنه جنينها ويدعي أنها التقطته فالقول قوله مع يمينه لبراءة ذمته إلا أن تقيم بينة على إسقاطه وبينتها شاهدان أو شاهد وامرأتان ، أو أربع نسوة عدول ، لأنها بينة على ولادة ، فإن شهدت البينة أنها أسقطت هذا الجنين الميت ، بعينه ، حكم لها بإسقاطه وديته ، وإن شهدوا أنها ألقت جنينا ولم يعينوه في الجنين الذي أحضرته فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يشهدوا لها بموت الذي ألقته وإن لم يعينوه فيحكم لها بالدية ، لأنهم قد شهدوا لها بجنين مضمون وتعيينه لا يفيد .

والضرب الثاني : أن لا يشهدوا بموته فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون لمدة لا يعيش لمثلها فيحكم لها بديته .

والضرب الثاني : أن يكون لمدة يجوز أن يعيش لمثلها لم يقبل قولها في موته ، لأن الذي أحضرته ميتا لم يشهدوا لها بإسقاطه والذي شهدوا بإسقاطه لم يشهدوا لها بموته .

والقسم الثاني : أن يعترف بضربها وإسقاط جنينها فهذا على ضربين :

أحدهما : أن تلقيه عقيب ضربها ، فالظاهر أنها ألقته ميتا من ضربة وإن جاز أن تلقيه من غيره فعليه دية الجنين ، فإن ادعى أنها ألقته من غير الضرب من طلق أو شرب دواء كان القول قولها مع يمينها ، لأن الظاهر معها .

والضرب الثاني : أن تلقيه بعد زمان طويل من ضربها ، فإن لم تزل ضنية مريضة من وقت الضرب إلى وقت الإسقاط فالظاهر من إلقائه ميتا أنه من الضرب ، فتجب ديته [ ص: 399 ] على الضارب فإن ادعى عليها إسقاطه من غيرها أحلفها وضمن ديته ، فإن سكن ألمها بعد الضرب وألقته بعد زوال الألم فالظاهر أنها ألقته من غير الضرب فلا تلزمه ديته ، فإن ادعت أنها ألقته من ضربه أحلفته ، وليس يحتاج في هذه الأحوال كلها عند التنازع إلى بينة ، لأن البينة تشهد بالظاهر وحكم الظاهر معروف ، ولكن لو ادعت بعد تطاول المدة أنها ألقته من ضربه وأنكرها ، فإن قامت البينة على أنها لم تزل ضنية مريضة حتى ألقته كان القول قولها ، فإن أنكر أن يكون من ضربه أحلفها ، وإن لم تقم البينة بمرضها فالقول قوله ولها إحلافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية