الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا كانت الأمة الحامل مملوكة بين شريكين فأعتق أحدهما حصته منها وضرب ضارب بطنها فألقت جنينا ميتا لم يخل حال الشريك المعتق من أحد أمرين :

إما أن يكون موسرا أو معسرا ، فإن كان معسرا أعتقت حصته منها ومن جنينها ، لأن عتق الأم يسري إلى حملها ، وكان الباقي منها ومن جنينها موقوفا للشريك فيها ، فيعتبر حينئذ حال الضارب فإنه لا يخلو من أحد ثلاثة أقسام :

إما أن يكون هو المعتق أو يكون الشريك الذي لم يعتق ، أو يكون أجنبيا .

فإن كان الضارب هو الشريك المعتق ضمن جنينها بنصف عشر قيمة أمه للشريك : لأن نصفه مملوك له وبنصف الغرة لأن نصفه حر ، وفي مستحقه قولان ، ووجه ثالث بناء على اختلاف المذهب فيمن عتق بعضه هل يكون موروثا ؟ على قولين للشافعي :

[ ص: 411 ] أحدهما : لا يورث منه كما لا يرث له ، فعلى هذا يكون لمالك رقه ملكا لا ميراثا ، فيصير له نصف الغرة مع نصف قيمة الأم وذلك جميع دية جنين نصفه حر ونصفه مملوك .

والقول الثاني : أن يكون موروثا : لأنه لما ملك به كسب نفسه في حياته : ملكه وارثه بعد موته ، فعلى هذا إن كان له وارث مناسب ورث نصف الغرة ولا يرث منها الآخر شيئا لرق بعضها والمرقوق بعضه لا يرث قولا واحدا ، وإن ورث في أحد القولين وكان نصف عشر القيمة لمالك الرق وإن لم يكن له وارث مناسب ، وصار موروثا بالولاء لم يرثه المعتق : لأنه قاتل وانتقل ميراثه إلى عصبة معتقه .

والوجه الثالث : وهو قول أبي سعيد الإصطخري أن ميراثه يكون لبيت المال ولا يكون لمالك رقه ولا لوارثه .

وأما إن كان الضارب هو مالك الرق الذي لم يعتق فلا يضمن ما ملكه من رقه ، لأنه لا يضمن ملك نفسه في حقه ، وفي ضمان ما عتق منه قولان :

أحدهما : لا يضمنه إذا قيل لو ضمنه غيره كان له .

والقول الثاني : يضمنه إذا قيل لو ضمنه غيره كان موروثا عنه فيكون لعصبته ، فإن عدموا فلمعتقه ، ويكون لبيت المال على قول الإصطخري ، وإن كان الضارب أجنبيا ضمن جميعه بنصف عشر قيمة الأم لأجل نصف المرقوق يكون للشريك المسترق وبنصف الغرة لأجل نصف المعتق ، وفي مستحقه ما قدمناه من المذاهب الثلاثة :

أحدها : أن يكون للشريك المسترق إذا قيل إنه غير موروث .

والثاني : يكون للمعتق إذا قيل إنه موروث .

والثالث : يكون لبيت المال ، فهذا حكمه إذا كان الشريك المعتق معسرا .

فأما إذا كان الشريك المعتق موسرا قومت عليه حصة شريكه من الأم وهو النصف وعتق جميعها نصفها بالمباشرة ونصفها بالسراية ، وسرى عتق المباشرة وعتق السراية إلى عتق جنينها فصارت وجنينها حرين ، ومتى يعتق النصف المقوم عليه ؟ في ثلاثة أقاويل :

أحدها : بلفظه الذي أعتق به حصته ، ويؤدي القيمة بعد عتقه عليه .

والقول الثاني : أنه يعتق عليه باللفظ وأداء القيمة ، فإن لم يؤدها لم يعتق .

والقول الثالث : أنه موقوف مراعى ، فإن أدى القيمة بان أنه عتق بنفس اللفظ ، وإن لم يؤدها بان أنه لم يعتق باللفظ ، فعلى هذا لا يخلو حالها في إلقاء جنينها من أن [ ص: 412 ] يكون بعد دفع القيمة أو قبلها ، فإن كان بعد دفع القيمة فقد ألقته بعد استقرار عتقها وعتق جنينها ، فيكون على الضارب غرة كاملة ، فإن كان الضارب هو المعتق غرمها ولم يرث منها ، لأنه قاتل وورثت الأم لكمال حريتها وكان ما بقي بعد فرضها لعصبته ، فإن لم يكونوا فلعصبة المعتق القاتل ، وإن كان الضارب هو الشريك فحكمه وحكم الأجنبي واحد ، وعليه الغرة يستحقها ورثة الجنين ، يكون لأمه منها ميراث أم والباقي للعصبة ، فإن لم يكونوا فللمعتق له ، وإن ألقت جنينها بعد العتق وقبل دفع القيمة .

فإن قيل : إنها قد عتقت بنفس اللفظ ، أو قيل إنه موقوف مراعى ودفع القيمة كان الحكم فيه كما لو ألقته بعد دفع القيمة ، فيكون على ما مضى .

وإن قيل : إنها لا تعتق إلا بعد أداء القيمة ، أو قيل : إنه موقوف مراعى ولم يدفع القيمة كان كما لو كان معسرا ولم يعتق بينها إلا ما عتق فيكون على ما مضى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية