الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

وإن كان القتل موجبا للقود ، فهل يستحق القود بالقسامة ويشاط بها الدم ، أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : وبه قال في القديم ، وهو مذهب مالك ، وأحمد بن حنبل ، وبه قال عبد الله بن الزبير وحكم به في أيامه : أن القود بها ثابت ، ودليله حديث يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي حثمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار : يحلف خمسون منكم على رجل منهم ، فيدفع برمته . يعني للقود .

وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل بالقسامة رجلا من بني نضر بن مالك ، ولأن ما ثبت به القتل تعلقت عليه أحكامه كالبينة .

والقول الثاني : وهو قوله في الجديد .

وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو مذهب أبي حنيفة : أنه لا قود في القسامة ، وتجب بها الدية . ودليله ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود خيبر في قصة الأنصار : " إما أن تدوا صاحبكم أو تؤذنوا بحرب " ، فدل على وجوب الدية دون القود .

فإن قيل : فقد كتب إليهم قبل القسامة ، وقبل وجوب القود . قيل : إنما كتب بذلك بيانا للحكم المستحق بالقسامة ، وإلا فمعلوم أن الدية لا تجب قبل القسامة كما لم يجب القود ، ولأن أيمان المدعي هي غلبة ظن فصار شبهة في القود ، والقود يسقط بالشبهة ، [ ص: 15 ] ولأن الحكم بالقسامة للاحتياط في حق الدماء ، فكان مقتضى هذا المعنى وجوب الدية وسقط القود .

فإذا تقرر توجيه القولين ، فإن قيل بالأول في إشاطة الدم ووجوب القود ، فإن كانت القسامة في الدعوى على واحد ، قتل قودا . وإن كانت على جماعة ، فقد اختلف القائلون بهذا القول في عدد من يقتل . فالظاهر من مذهب الشافعي على هذا القول : أنه تقتل الجماعة وإن كثروا ، إذا أمكن أن يشتركوا : لأن القسامة في استحقاق القود تجري مجرى البينة .

وقال مالك : لا أقتل به أكثر من اثنين . وحكاه أبو ثور عن الشافعي في القديم .

وحكى الربيع بن سليمان قولا لنفسه : أنه لا يقتل به أكثر من واحد . وبه قال أبو العباس بن سريج حقنا للدماء ، ولضعف القسامة عن البينة .

وقال أبو العباس : وأجعل للولي بعد أيمانه الخيار في قتل أي الجماعة شاء ، فإذا قتل أحدهم أخذ من الباقي أقساطهم من الدية .

وإن قيل بالقول الثاني - وهو الجديد - : أن القود ساقط في الواحد والجماعة ، فالدية المستحقة بالقسامة وتكون مغلظة ، حالة في مال المدعى عليه ، إن تفرد بها واحد غرم جميعها ، وإن كانوا جماعة تقسطت على أعدادهم بالسوية . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية