الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

وإذ قد مضى صفة العمد بما يكون عمدا ، فالحالة الثانية أن يصفه بما لا يكون عمدا ، وله في صفة العمد بما ليس بعمد ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يصفه بما لا يكون عمدا ولا خطأ من القتل الذي لا يضمن بقود ولا [ ص: 37 ] دية : كمن دخل دار رجل فتعثر بحجر ، أو سقط في بئر ، أو سقط عليه جدار ، فالصفة قد برأت من الدعوى ، وسقطت القسامة فيها ، وبرأ المدعى عليه منها .

والحال الثانية : أن يصفه بعمد الخطأ ، كرجل ضرب رجلا بعصا ، يجوز أن تقتل ويجوز أن لا تقتل ، فهو عمد الخطأ : لأنه عامد في الفعل خاطئ في النفس .

فله أن يقسم على الصفة دون الدعوى ، ويحكم له بعمد الخطأ دون العمد المحض ، ولا يكون ما في الصفة من مخالفة الدعوى مانعا من القسامة : لأن الاختلاف بين الدعوى والصفة لاشتباه الحكم دون الفعل .

والحال الثالثة : أن يصفه بالخطأ المحض ، فقد بطل حكم الدعوى بالصفة وسقطت القسامة في العمد ، واختلف في سقوطها في الخطأ ، فنقل المزني : أنه لا يقسم . ونقل الربيع : أنه يقسم . فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين النقلين على وجهين :

أحدهما : وهو طريقة البغداديين ، أن اختلافهما محمول على اختلاف قولين :

أحدهما : وهو ما نقله الربيع : أنه يقسم . وهو اختيار أبي إسحاق المروزي : لأن صفته أقل من دعواه فجاز أن يقسم على الأخف بضد دعوى الأغلظ .

والقول الثاني : وهو ما نقله المزني : أنه لا يقسم . وهو اختيار أبي علي بن أبي هريرة : لأن دية العمد في ماله ودية الخطأ على عاقلته ، فكان في الدعوى أبرأ للعاقلة ، وفي الصفة أبرأ للجاني ، فسقطت القسامة عليهما .

والوجه الثاني : وهو طريقة البصريين ، أنه ليس اختلاف النقل على اختلاف قولين ، وإنما هو على اختلاف حالين . فنقل المزني أنه لا يقسم محمول على أنه إقسام على الدعوى ، ولم يرجع عنها إلى الصفة ، فلا يقسم على الدعوى لإبطالها بالصفة . ونقل الربيع أنه يقسم محمول على أنه رجع عن الدعوى إلى الصفة ، فيقسم على الصفة لرجوعه بها عن الدعوى التي هي أغلظ من الصفة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية