الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " وأكره إمامة الفاسق ، والمظهر للبدع ، ولا يعيد من ائتم بهما " .

قال الماوردي : وهو صحيح ، أصل الفسق الخروج من الشيء ، قال الله تعالى ففسق عن أمر ربه [ الكهف : 50 ] . أي خرج من طاعته ، والعرب تقول : فلان فاسق . إذا كان عريانا قد تجرد من أثوابه ، وتقول : فسقت الرطبة . إذا خرجت من قشرها : فالفاسق في دينه : هو الخارج من طاعة ربه عز وجل ، فكره إمامته ، ويمنع منها لقوله صلى الله عليه وسلم : يؤمكم أقرؤكم فأجهر بالفضل في الذكر ونبه على الفضل في غير الذكر ، فكأنه قال : أصلحكم ، وأودعكم ، وأرشدكم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليؤمكم خياركم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : انتقدوا أئمتكم انتقاد الدراهم والدنانير .

فإذا تقرر أن إمامة الفاسق ممنوع منها فالفسق على ضربين :

أحدهما : أن يخرجه من الملة ويباين به أهل الشريعة ، ويصير به كافرا ، كشارب الخمر بعينها ، ويعتقد إباحتها ، وتحليلها ، أو من زنى ، أو لاط مصرا لا يرى ذلك حراما ، ولا أنه عند الله عظيم ، وإذا استحل الأموال المحظورة استخفافا بحق الله سبحانه ، أو استباح سفك الدماء المحقونة اجتراء على الله تعالى ، فمن كان بهذه المثابة من الفسق فهو كافر ، وإمامته غير جائزة ، فمن ائتم به كان كمن ائتم بكافر على ما نذكر الحكم فيه .

والضرب الثاني : من الفسق ما لا يخرج من الملة ، ولا يباين به أهل الشريعة ، وهو على ضربين :

أحدهما : أن يكون في الفعل .

والثاني : أن يكون في الاعتقاد . فالفاسق بفعله كشارب الخمر نادما ، والمقدم على [ ص: 329 ] المحظورات خائفا مستنفرا ، والفاسق باعتقاده كمن يرى سب الصحابة ، رضي الله عنهم ، وتكفيرهم كالخوارج وغيرهم .

فهذان الضربان من الفسق لا يكون بهما كافرا ، وإمامة من هذا وصفه مكروهة ولا إعادة على من ائتم به .

قال مالك : الفاسق بغير تأويل لا تجوز الصلاة خلفه ، وفي المتأول عنه روايتان .

[ ص: 330 ] والدلالة على ما ذهبنا إليه رواية العلاء بن الحارث عن محكول ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الجهاد واجب عليكم مع أمير بر ، أو فاجر ، والصلاة واجبة عليكم خلف كل بر أو فاجر وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وروي أن ابن عمر وأنسا ، صلوا خلف الحجاج ، وكفى به فاسقا ، ولأن كل من صح أن يكون مأموما صح أن يكون إماما كالعدل .

التالي السابق


الخدمات العلمية