الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

والقسم الثالث : أن يقر المدعي بعد قسامته بما يمنع منها ، وهو على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما يبطل به قسامته ودعواه ، وهو أن يقر بأنه كذب في دعواه ، أو يقول : قتل أبي غيره ، أو يقر أنه كان غائبا عند القتل في بلد آخر ، أو كان محبوسا ، فيكون هذا وما أشبهه مبطلا لقسامته ودعواه . فإن عاد فادعى قتل أبيه على غيره ، لم تسمع دعواه : لتكذيبها بالدعوى الأولى .

والقسم الثاني : ما يبطل قسامته ولا يبطل دعواه ؛ وهو أن يقر بأن المقتول نقل إلى محلته بعد القتل ، فتبطل به قسامته : لاعترافه ببطلان اللوث ، ولا تبطل به الدعوى : لاحتمال أن يكون قد قتله في غير محلته ، فتصير الدعوى متجردة عن لوث ، فيكون [ ص: 48 ]

القول فيها قول المدعى عليه مع يمينه ، فإن حلف برئ ، وإن نكل ردت اليمين على المدعي واستأنف اليمين ، ولم يجزه ما تقدم من أيمان القسامة .

والقسم الثالث : ما يرجع فيه إلى إرادته ، لاحتماله ، ويعمل فيه على بيانه ؛ وهو أن يقر بأن ما أخذه بالقسامة ظلم أو حرام ، وهذا محتمل أن يريد به أن الحكم بالقسامة على رأي أهل العراق ، ويحتمل أن يريد به أن الحكم بالدية دون القود ظلم على مذهب مالك ، حين أوجب القود بالقسامة ، ويحتمل أن يريد به أن دعوى اللوث كاذبة ، ويحتمل أن يريد به أن دعوى القتل دعوى كاذبة . فلهذه الاحتمالات المتعارضة ما وجب أن يرجع إلى إرادته ، ويعمل فيه على بيانه . وينقسم بيانه ثلاثة أقسام :

أحدها : ما لا تبطل به القسامة ولا الدعوى ؛ وهو أن يريد أن الحكم بها ظلم على رأي أبي حنيفة ، أو يقصد على مذهب مالك ، فلا تبطل قسامته ، ولا يسترد ما أخذه : لأن نفوذ الحكم يكون باجتهاد الحاكم لا باجتهاد المدعي ؛ لكن فيما بينه وبين الله تعالى أنه لا تحل له الدية ، إذا اعتقد أنه لا يستحقها وإن لم تسترجع منه .

والقسم الثاني : ما تبطل به القسامة وتبطل به الدعوى ؛ وهو أن يقر بالكذب فيها ، أو أن المدعى عليه كان غائبا عن بلد القتيل ، أو يدعي أن المنفرد بقتل أبيه غيره ، فتبطل قسامته ودعواه في هذا كله ، ويصير المدعى عليه بريئا من الدعوى ، وعليه رد ما أخذ منه بالقسامة ، ولا تسمع دعواه على غيره لإكذابها بالدعوى الأولى ، فتصير باطلة في عموم الناس كلهم ، ولا تسمع بينة فيه ، ويصير دم أبيه هدرا .

والقسم الثالث : ما تبطل به القسامة ولا تبطل به الدعوى ؛ وهو أن يقر أن قتيله قتل في غير محلة هذا المدعى عليه ، فتبطل القسامة لبطلان اللوث فيها بإقراره ، ولا تبطل الدعوى لاحتمال أن يكون قد قتله في غير محلته . والقول فيما بينه بإرادته مما لا تبطل به القسامة أو لا تبطل به الدعوى قوله مع يمينه ، وهي يمين واحدة : لأنها ليست في دم وإنما هي في شأن كلام محتمل . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية