الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا حلف المدعى عليه ، حلف كذلك : ما قتل فلانا ، ولا أعان على قتله ، ولا ناله من فعله ولا بسبب فعله شيء جرحه ، ولا وصل إلى شيء من بدنه : لأنه قد يرمي فيصيب شيئا فيطير الذي أصابه فيقتله ، ولا أحدث شيئا مات منه فلان : لأنه قد يحفر البئر ويضع الحجر فيموت منه " .

قال الماوردي : ذكر الشافعي رضي الله عنه بعد يمين المدعي في القسامة يمين المدعى عليه في القسامة وغير القسامة ، فذكر في يمينه ستة شروط :

أحدها : " ما قتل فلانا " : لأنه أصل الدعوى . ويشتمل قوله : " ما قتل " على التوجيه بالذبح ، وعلى سراية الجرح ، فلم يحتج إلى الجمع بينهما ، ولو جمع كان أحوط .

والشرط الثاني : أن يقول : " ولا أعان على قتله " ، يريد بذلك الشركة في القتل والإكراه عليه . وقال ابن أبي هريرة : إنما أراد به الممسك في القتل ، هو قاتل على مذهب مالك ، وإن لم يكن قاتلا على مذهب الشافعي ، فذكره في يمينه احتياطا . فيكون هذا الشرط على قول ابن أبي هريرة مستحبا ، وعلى قول غيره واجبا .

والشرط الثالث : أن يقول : " ولا ناله من فعله " ، واختلف أصحابنا في مراده لهذا على وجهين :

أحدهما : - وهو قول البصريين - : أن المراد به سراية الجرح .

والوجه الثاني : - وهو قول البغداديين - : أن المراد به وصول السهم عن القوس . وهو على كلا الوجهين شرط واجب ، وتكون هذه الثلاثة شروطا في قتل العمد .

والشرط الرابع : أن يقول : " ولا ناله بسبب فعله شيء جرحه " . اختلف أصحابنا في مراده بهذا على وجهين :

أحدهما : - وهو قول البصريين - : إن المراد به سقي السم . فعلى هذا : يكون شرطا رابعا في قتل العمد . [ ص: 54 ] والوجه الثاني : - وهو قول البغداديين - : أن المراد به أن يرمي حائطا بسهم أو حجر ، فيعود السهم أو الحجر على رجل فيقتله . فعلى هذا : يكون شرطا في قتل الخطأ دون العمد . 0

الشرط الخامس : أن يقول : " ولا وصل إليه شيء من بدنه " . وقد فسر الشافعي ما معناه : أن يرمي حجرا فيصيب حجرا فينقطع الثاني ، فيقع على ذلك فيقتله . وهذا شرط في الخطأ دون العمد .

الشرط السادس : أن يقول : " ولا أحدث شيئا مات منه " ، وقد فسره الشافعي بحفر البئر ووضع الحجر في غير ملكه ، فيلزمه ضمان من مات منه . وهذا شرط في قتل الخطأ دون العمد ، فتكون هذه الشروط الستة يلزم منها في قتل العمد ما اختص به ، وفي قتل الخطأ ما اختص به ، وهي غاية الشروط التي يحتاط بها في الأيمان ، فإن قيل : يجب أن تكون يمين المدعى عليه إذا أنكر موافقة لدعوى المدعي إذا فسر ، فلم يحتج في يمين إنكاره إلى زيادة على ما ذكره المدعي في تفسيره ؛ وإنما يحتاج إلى ذلك في الدعوى المطلقة دون المفسرة ، وهو لا يرى سماعها إلا مفسرة . فاختلف أصحابنا في الجواب عن هذا على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن هذا من قوله : دليل على جواز السماع للدعوى مطلقة غير مفسرة . وجعلوا ذلك قولا ثانيا للشافعي ، فخرجوا سماع الدعوى مطلقة في الدم على قولين بعد اتفاقهم أنها لا تسمع في القسامة إلا مفسرة : لاحتياج المدعي إلى الحلف عليها ؛ وإنما أخرجوه فيما عدا القسامة ولو فسرت الدعوى لما تجاوز المدعي بيمينه ما تضمنته الدعوى .

والوجه الثاني : أن الشافعي شرط ذلك في الدعوى المفسرة في الدماء خاصة : لأن دعوى الدم حق المقتول ، فإن انتقل إلى دليل استظهر الزائد على ما ادعاه وليه . وهو لا يرى سماعها مطلقة ، وشرط في اليمين الزيادة على ما تضمنته الدعوى على ما ادعاه وليه .

والوجه الثالث : أنه شرط ذلك في حق طفل أو غائب ، إذا ادعى له القتل ولي أو وكيل ، فيلزم الحاكم أن يستظهر في اليمين له على ما ادعاه وليه أو وكيله ، ولو كانت الدعوى لحاضر جائز الأمر لم يستظهر له الحاكم بذلك ؛ كالبينة إذا قامت بدين على طفل أو غائب استظهر الحاكم بإحلاف صاحب الدين أنه ما قبضه ولا شيئا منه ، ولو قامت على حاضر جائز الأمر لم يحلف صاحب الدين على ذلك إلى أن يدعيه الحاضر .

التالي السابق


الخدمات العلمية