الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فأما القتل المضمون فعمد وخطأ ، فالعمد يأتي في خلاف نذكره ، والخطأ متفق على وجوب الكفارة فيه بنص الكتاب وإجماع الأمة ، وسواء كان قتل الخطأ بمباشرة أو بسبب ، والمباشرة : أن يرمي هدفا فيصيب إنسانا فيقتله . والسبب : أن يحفر بئرا في أرض لا يملكها ، فيقع فيها إنسان فيموت ، أو يضع حجرا في طريق سائر ، فيعثر به إنسان فيموت ، أو يرش ماء في الطريق ، فيزلق به فيموت . إلى أمثال ذلك مما قدمنا ذكره في ضمان النفس التالفة ، فيجب فيه الدية والكفارة .

وقال أبو حنيفة : تجب في قتل المباشرة الدية مع الكفارة ، وتجب في قتل السبب الدية دون الكفارة : استدلالا بأن كل من ضمن نفسا عن غير مباشرة لم تجب عليه [ ص: 63 ] الكفارة كالعاقلة ، ولأن كل ما لم يجب في جنسه قود لم يجب في جنسه كفارة كالإمساك .

ودليلنا : هو أنه قتل يضمن بالدية ، فوجب أن يضمن بالكفارة ، كالمباشرة . فإن منعوا أن يكون مقتولا ، احتج عليهم بوجوب الدية : لأنه لا يجوز أن يلزم دية النفس ، ولا يكون متلفا للنفس إذ لا يلزم دية إلا في قتل عن مقتول ، ولأنها كفارة تلزم بمباشرة القتل ، فوجب أن تلزم بسبب القتل كجزاء الصيد ، ولأن الكفارة أوكد من الدية ، فلما وجبت الدية كان أولى أن تجب الكفارة ، وأما قياسهم على العاقلة ، فالجواب عنه : أن العاقلة تلتزم الدية تحملا ونيابة ، والكفارة لا يدخلها التحمل ولا النيابة ؛ ولذلك تحملت العاقلة دية الخطأ ، ولم تتحمل كفارته وإن لزمته . وأما قياسهم على الإمساك ، فالمعنى فيه : أن الإمساك لما لم يوجب ضمان الدية لم يوجب ضمان الكفارة ، ولما أوجب السبب ضمان الدية أوجب ضمان الكفارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية